"أحيدوس"... رقصة مغربية تحيي فلكلور الأمازيغ  

منذ 1 سنة 115

لا تكاد تخلو أفراح وحفلات الأمازيغ في المغرب، خصوصاً أمازيغ جبال الأطلس، الكبير والمتوسط والصغير، وفي الجنوب أيضاً، من أداء رقصات فلكلورية تراثية تجمع الرجال النساء الذي يؤدونها باحترافية مع الحفاظ على أعرافها وتقاليدها المحلية.

ويشتهر أمازيغ المغرب في هذه المناطق على وجه الخصوص بأداء رقصتي "أحيدوس وأحواش"، وهما رقصتان جماعيتان تعتمدان على حركات الجسد من أكتاف وأقدام، لكنها أيضاً تمتزج بسلاسة مع الغناء وارتجال أبيات شعرية باللغة الأمازيغية.

رقصات الأمازيغ

يعرف المغرب بثراء فولكلوره الشعبي وغنى تراثه الغنائي المرتبط بمختلف جهاته ولهجاته المشكلة لهويته المحلية والتراثية، ومنها ما يتعلق بالأمازيغية المنتشرة في عديد من مناطق البلاد.

تقول الباحثة في الكوريغرافيا والرقص الأمازيغي بوشرى فارز، إن الأمازيغ رجالاً ونساء يؤدون بشكل جماعي أو حتى فردي أحياناً، رقصاتهم التراثية الشعبية في مناسبات اجتماعية وأخرى ذات طابع اقتصادي، وأيضاً في مناسبات تاريخية سابقة.

وتشرح الباحثة ذاتها أن الرقص الجماعي عند الأمازيغ يكون في حفل زفاف أو حفل مولود جديد، أو حتى عند عودة شخص عزيز غائب إلى البلدة، وكل باقي مظاهر الفرحة والبهجة التي تغمر القبيلة أو البلدة الأمازيغية.

ووفق المتحدثة عينها، بخصوص الطابع الاقتصادي للرقصات الأمازيغية بشكل إجمالي، ترتبط أساساً بالمناسبات الزراعية المهمة في حياة الأمازيغ، من قبيل نهاية موسم جني ثمار شجر الأركان، أو الحصول على غلة زراعية وفيرة لا سيما في مناطق سوس.

واسترسلت الباحثة بأنه في فترة الاستعمار الفرنسي والإسباني للمغرب تحت مسمى "الحماية" منذ عام 1912، كانت رسائل الرقصات الأمازيغية "نضالية" أكثر، حيث كانت تتخللها أشعار حماسية تحفز على مقاومة المحتل من أجل نيل الحرية والاستقلال والانعتاق من حالة الخنوع والخضوع للمستعمر.

وحول عدد الرقصات الأمازيغية المنتشرة في أجزاء البلاد، أفادت الباحثة بأنها كثيرة من أبرزها رقصة "أحيدوس"، ورقصة "أحواش"، ولكن توجد رقصات أخرى من قبيل رقصة "إمذيازان"، وأيضاً رقصة "تاكسيوين" التي ما زالت موجودة في القرى الأمازيغية المجاورة لمدينة تارودانت، مستدركة أن "حضور هذه الرقصة تضاءل بشكل لافت في مناطق أخرى، وهو ما يفسر تسجيلها قبل سنوات في قائمة "اليونيسكو" للتراث الثقافي غير المادي بهدف العمل على صيانتها من الانقراض والاندثار.

رقصة_أحيدوس.jpg

توجد رقصات أخرى من قبيل رقصة "إمذيازان" (وكالة الأنباء المغربية)

"أحيدوس"

ومن الرقصات الأمازيغية التي تجاوزت شهرتها حدود المغرب رقصة "أحيدوس" التي تؤثث أفراح وأعراس الأمازيغ في قرى وبلدات جبال الأطلس المتوسط، وهي رقصة يشترك فيها الرجال والنساء على السواء بطريقة منسقة.

عضو إحدى مجموعات "أحيدوس" في منطقة أجلموس قرب مدينة خنيفرة بجبال الأطلس المتوسط، عبدالواحد رشان، قال إن رقصة "أحيدوس" تعبر عن مشاعر الفرح والابتهاج لأحداث اجتماعية وأسرية تسر سكان القبائل.

وأورد المتحدث أن رقصة "أحيدوس" تجمع عدداً من الرجال والنساء الذين يتقنون هذا التعبير الفني، في انسجام كامل تحت قيادة قائد الفرقة، ويسمى "الرايس" أو "أمحرب"، والذي تكون له حرية الحركة بخلاف أفراد المجموعة الذين يصطفون على شكل دائري أو نصف دائري.

وحول رمزية هذه الرقصة الأمازيغية، قال المتكلم إن "أحيدوس" مشترك تراثي خاص بأمازيغ الأطلس المتوسط على وجه الخصوص، كما أنها كانت ترمز إلى توحد الجنسين معاً رجالاً ونساء، كتفاً على كتف، وقدماً بقدم، يرقصون باحترافية راقية.

وزاد بأن الرقص في أحيدوس حركي وتعبيري أكثر منه جسدياً، فهو يرتكز على هز الأكتاف، والنقر على الطبول والدفوف، وخبط الأقدام على الأرض، بينما النساء يرددن الأهازيج الغنائية بأصواتهن الجبلية الرنانة، وذلك بطريقة يسيرها "الرايس" الذي يشبه الربان أو المدرب.

ويرتدي المشاركون في رقصة "أحيدوس" أزياء متشابهة موحدة، فالرجال يتدثرون بجلباب أبيض اللون ويعتمرون عمامة بنفس اللون، وينتعلون نعلاً أصفر، بينما ترتدي النساء أزياء مزينة بالفضة والحرير.

واشتهرت رقصة "أحيدوس" في العالم بفضل مشاركتها في عديد من المهرجانات الدولية، وفي افتتاح كأس العالم لسنة 1982 الذي تم تنظيمه في إسبانيا، ولكن اشتهرت أيضاً بأحد رموز هذا الفن الأمازيغي التراثي، وهو "الرايس" موحا الحسين أشيبان.

وكان أشيبان، المتوفى عام 2016، أفضل سفير يمثل رقصة "أحيدوس" الأمازيغية، إذ كان يجوب دول العالم مصحوباً بفرقته الشهيرة، حتى إنه التقى الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، الذي أطلق عليه لقب "المايسترو"، إذ كان يتميز بحركات يديه وطريقته الفريدة في تسيير أعضاء مجموعته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"أحواش"

وإلى جانب رقصة "أحيدوس"، يعرف الأمازيغ برقصة أخرى لا تقل عنها شهرة ورمزية فنية واجتماعية، هي رقصة "أحواش" التي تنتشر بشكل أكبر في مناطق الجنوب، خصوصاً في منطقة سوس.

وتشبه هذه الرقصة الأمازيغية رقصة "أحيدوس" في كونها رقصة جماعية تؤدى من قبل الرجال والنساء، لكن "أحواش" تختلف عن أحيدوس في كون المشاركات في الغالب يكن عازبات غير متزوجات بخلاف "أحيدوس" التي لا يشترط فيها ذلك.

وتختلف "أحواش" عن "أحيدوس" أيضاً في طريقة تشكيل الصفوف، ففي الأولى يتم اصطفاف الرجال بشكل متقابل أمام الفتيات، عكس "أحيدوس" التي تتطلب راقصين، ذكوراً وإناثاً، يشكلون دائرة أو نصف دائرة متجاورين في ما بينهم.

وتفيد كتابات عدة متطابقة تصف رقصة "أحواش"، أن النساء ملزمات بعدم الالتفات خلال الرقص، من أجل تركيز أكبر، وأيضاً بهدف احترام الإيقاع الموسيقي الذي يضبطه قائد المجموعة، كما أن أكفهن تتحرك من دون تصفيق، وأكتافهن تهتز، وأما الرجال فيرقصون عبر تحريك الأرجل.

وإذا كانت "أحيدوس" تعتمد أكثر على الإيقاع البطيء نسبياً، وعلى الدفوف، فإن "أحواش" تتسم بإيقاع أسرع، كما أنها تعتمد على آلة "تكنزة"، وهي "الطارة" التي تمنح عند الضرب عليها صوتاً إيقاعياً يساير رقصة "أحواش" السريعة، والأبيات الشعرية التي يلقيها الشاعر بموازاة أهازيج وزغاريد النساء وسط أجواء ممتعة.

وتعمل وزارة الثقافة المغربية على محاولة الحفاظ على هذه الرقصات الأمازيغية من الاندثار من خلال تنظيم مهرجانات وطنية تحتفي بهذا الموروث التراثي الأمازيغي كل عام، كما أنه سبق لها أن أدرجت رقصة "أحواش إحاحان" ضمن لائحة الجرد العام للتراث اللامادي لعام 2022.