أحداث مخيم عين الحلوة و«القطبة المخفية»

منذ 1 سنة 170

الاقتتال الفلسطيني في مخيم عين الحلوة قرب صيدا عاصمة الجنوب اللبناني ليس بالجديد، وأبناء المدينة واللبنانيون بعامة اعتادوا على هذا النمط من التعاطي بين الفصائل الفلسطينية، وتصفية الخلافات كبيرها وصغيرها بهذه الطريقة.

في هذه المعركة الأخيرة، ثمة أكثر من محطة يجدر التوقف عندها، وعلى رأسها سؤال بشأن وقف إطلاق النار الحاصل، وإذا ما كان قابلاً للتحول إلى هدنة دائمة، ولن نقول تسوية، من دون تسليم المتهمين بمقتل القيادي في حركة «فتح» ومسؤول الأمن، اللواء أبو أشرف العرموشي، لا سيما إذا تسلمتهم السلطة اللبنانية، ودلالات ذلك على مستقبل العلاقة بين الدولة اللبنانية وحركة «فتح» من جهة، وبقية الفصائل الممتعضة من جهة أخرى.

المحطة الثانية هي توقيت هذه الاشتباكات؛ إذ أعقبت مباشرة لقاء العلمين نهاية الشهر الماضي؛ حيث جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى جانب نظيره الفلسطيني محمود عباس، الجماعات الفلسطينية المختلفة والمتنوعة، من أجل رأب الصدع بينها، وتحقيق «المصالحة الفلسطينية». غابت عن هذا اللقاء منظمات: «الجهاد الإسلامي»، و«الجبهة الشعبية»، و«الصاعقة»، ولا حاجة للبحث والتنجيم لمعرفة انتماء الجهة الغائبة ودلالات عدم مشاركتها. وجاءت أحداث المخيم الأخيرة بمثابة إطلاق النار على هذا اللقاء الهادف أقله إلى محاولة التوصل إلى تسوية ما يمكن معالجته من انقسام فلسطيني، بدأ يأخذ أبعاداً أعمق من ظاهره، ويؤشر إلى تباينات وخلافات ضمن الجبهة الواحدة، وأعني تلك المناهضة للسلطة الفلسطينية وحركة «فتح»، والحليفة أو القريبة من حلف الممانعة في المنطقة.

أما المحطة الثالثة، وقد تكون من أكثر المحطات دقة وأهمية، فهي الغياب الفعلي لحركة «حماس» والمتواصل منذ العملية الإسرائيلية العسكرية الأخيرة في غزة، ثم في جنين، واليوم في أحداث مخيم عين الحلوة. ولمزيد من الدقة نقول إنها باتت تلعب دور الوسيط والساعي إلى التهدئة.

المحطة الرابعة الجديرة بالاهتمام، هي أن وقف النار في المخيم يكاد يعني أن الفصائل الإسلامية التي تقاتل حركة «فتح»، باتت تستولي على أجزاء واسعة منه، مقلصة بذلك سيطرة وسطوة «فتح» على هذا المخيم الأكثر أهمية.

وفي هذا السياق، لا بد من تسليط الضوء على عدد من النقاط بشأن الفصائل الإسلامية التي تخطت العشرة. هي فصائل صغيرة تحركها قوى من خارج المخيم، وهي مدربة وممولة ومسلحة، وتمتلك ذخائر واسعة تؤهلها للصمود فترات طويلة. وقد عُرفت بانتقالها من وإلى خارج المخيم في مهمات قتالية في سوريا والعراق، وتعود أدراجها إلى مخيم عين الحلوة، ومهمتها هذه المرة هي مواجهة حركة «فتح» أيضاً، لخلفيات لا علاقة لها لا بفلسطين ولا بالفلسطينيين.

ولعلَّ تقليص قدرات وقوة حركة «فتح» في المخيم، أو في غيره من مخيمات لبنان، هو هدف مطلوب في سياق سياسة إقليمية متكاملة تشهدها المنطقة، تعلو وتخبو لأهداف تكتيكية محددة. ويبدو من المناخ الإقليمي السائد أن التوتر يطال العلاقات الأميركية الإيرانية في الخليج وعلى الحدود السورية العراقية. التوتر وصل إلى الحدود اللبنانية الإسرائيلية حول بلدة الغجر المتنازع عليها، ونصب «حزب الله» ثلاث خيم، وشروع إسرائيل في بناء فاصل. يضاف إلى ذلك الغليان السائد في الضفة الغربية على وقع معركة حسم خلافة أبو مازن، وبين الفلسطينيين وحكومة بنيامين نتنياهو.لا تصعب معرفة الجهة التي تكمن وراء هذا المناخ، وما تهدف إليه في مواجهة أجواء المصالحات والتهدئة على الصعد الأخرى كافة في الضفة الغربية، وبين السلطة وإسرائيل، وحتى بين حركة «حماس» وإسرائيل، وهنا بيت القصيد، أو ما تسمى «القطبة المخفية» التي تفسر مواقف الحركة المهادنة من كل ما جرى ويجري.

هذه المواقف نتيجة لما يُحكى ويُسرَّب عن تفاهمات إسرائيلية مع «حماس»، تهدف إلى تهدئة طويلة ودائمة بين قطاع غزة وتل أبيب، مقابل منافع اقتصادية ومالية للقطاع في البر والبحر. وهذا ما يفسر الامتعاض الممانع غير العلني، مما تعُدُّه تملص حركة «حماس» من «وحدة الساحات» في غزة وجنين ومخيم عين الحلوة.هل ثمة ما يبشر بالخير من كل هذه الوقائع؟ بداية، لا بد من اعتبار أنه إذ صحت تفاهمات إسرائيل مع «حماس» بشأن غزة، فسيتكرس الانقسام الفلسطيني طويلاً، ويضعف موقع السلطة الفلسطينية أكثر مما هو ضعيف، وهذا ليس بالخبر الجيد، وليس لصالح الفلسطينيين على كل الصعد. ولعل «حماس» ستكون في نهاية المطاف المستفيد الأكبر من الاقتتال، لا سيما في مخيم عين الحلوة، وستحصد نتائجه إذا مُنيت حركة «فتح» بالهزيمة، أو أقله تم تقليص سيطرتها وقدراتها السياسية والعسكرية، وعندها تكون القوى الممانعة على الرغم من تبايناتها وحتى خلافاتها، قد حققت أهدافها بإبعاد «فتح» وإضعافها لصالح «حماس» الجهة الأقوى من جميع الفصائل في المخيمات كافة، ما يصب في نهاية الأمر في صالح محور الممانعة وأهدافه في الإقليم.الحصاد اللبناني نتيجة ما يجري من دون احتساب مأساة اللاجئين في المخيم، أدى حتى الآن إلى منع بعض الدول الخليجية رعاياها من السفر إلى لبنان. ونتيجة لهذا الاقتتال تم تعريض أمن مدينة صيدا وجوارها لأخطار كثيرة، وتهديد الطريق الساحلية إلى مدن وقرى جنوب لبنان، وسط موسم سياحي مزدهر يتغنى به اللبنانيون.عسى ألا تكون أحداث المخيم إشارات إقليمية ومحلية لتوترات أمنية وسياسية مقبلة، من تشدد إضافي بشأن انتخاب رئيس للجمهورية، وما يستتبعه من تداعيات على عمل المؤسسات المتوقف، والفراغ المتوقع في مواقع رئيسة أخرى.