♦ الملخص:
شابٌّ ملتزمٌ أحبَّ فتاة مدة سنتين ونصف، ولما أراد أن يتقدم إليها، رفض أهلها، وهو لا يستطيع النسيان، ويعيش في الماضي، ويسأل: ما الحل؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب ملتزم ولله الحمد، ولا أزكي نفسي، لكن أحبُّ الدين أكثر من أي شيء، الذي حدث أنني أحببتُ فتاةً، وأحبتني مدة سنتين ونصف، وكنت أحاول أن نبتعد عن الحرام قدر ما نستطيع، أنا لا أقول: إن علاقتنا حلالٌ، بل أعلم أنها كانت حرامًا، لكن يعلم الله لم يحدث بيننا شيء من العلاقة، بل كنا نتعفف حتى إننا كنا نبتعد عن التلميح، ولكني تعلَّقتُ بها تعلقًا لا يعلمه إلا الله، وكنت أنتظر أن تكون عندي الاستطاعة أن أخطبها - أو بالأحرى أن يقبل أهلي وأهلها - وبعد سنتين ونصف من الحب، فاجأتني أن أهلها علموا بالأمر، ولن يقبلوا بي (لا أعرف صحة الكلام)، حاولت أن أصل لأهلها بكل الطرق، مع العلم أنها كانت تسكن بنفس منطقتي، وقضينا آخر سنة في الثانوية معًا؛ بحكم المدارس المختلطة في البلد الذي أعيش فيه، حاولت أن أصل لأهلها بكل ما أستطيع، لكنها صدتني عن ذلك، رغم أنها من أحبتني أولًا، وكانت تقول: إنها ستنتحر إن فكَّرت في تركها، وأنها لم تحب أحدًا في هذا الكون مثلي، ومنذ ذلك الحين - وقد مرت الآن سنة كاملة - مكدر العيش، مهموم، لا أستطيع النسيان ولا التصديق، ولا استيعاب الصدمة، وفعلت كل ما أستطيع فعله دون جدوى، وتقربت إلى الله كثيرًا، وهذا أكثر ما يسعدني، ولكن ما زال الألم بداخلي كبيرًا جدًّا، لا أنسى، ولا أتخطى وأعيش في الماضي، فما الحل؟ وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتك هو:
١- أحببتَ فتاة حبًّا قويًّا، وعشقتها عشقًا جارفًا، وهي كذلك، ودمتما على ذلك مدة سنة ونصف.
٢- بعد ذلك صدمتك بخبر أن أهلها لن يوافقوا على زواجك منها، وحاولت الوصول لأهلها، ولكنها صدتك عن ذلك.
٣- بعد ذلك كله أصابك همٌّ وغمٌّ وكدر، ولا تستطيع تصديق ما حصل، ولا استيعاب الصدمة.
٤- تقربت إلى الله بالعبادات كثيرًا، وسعدت بذلك، لكنك ما زلت تعيش في ألم كبير، ولا تستطيع نسيان ما حصل، وتعيش مكدرًا، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: واضح جدًّا من سياق رسالتك أن ما حصل لكما ليس حبًّا حقيقيًّا بين طرفين متحابين بصدق، وإنما هو عشق مراهقين، يهيج بقوة جارفة، ثم يذبل أيضًا بقوة؛ لأنه ناتج في الأساس عن سيطرة الشهوة، وليس من العقل، والدليل الواضح هو سرعة تخليها عنك، وصدها لك عن الذهاب لأهلها.
ثانيًا: إذا علمت بذلك، فحكِّم عقلك، وقل: امرأة تخلت عني، وبان كذب حبها لي، وصدتني، أيليق برجولتي وكرامتي أن أتعلق بها، أو أن أستجديها؟
ثالثًا: اعلم - وفقك الله - أن مما يسليك أن تعلم يقينًا أن الله سبحانه الحكيم العليم الذي علم أنها لا تصلح زوجة لك، ما كتبها لك وصرفها عنك، فهو صرفُ شرٍّ عنك؛ ولذا فبدلًا من الحزن والكدر، افرح بفضل الله سبحانه، واسجد شكرًا لله سبحانه على هذه النعمة؛ قال سبحانه: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].
رابعًا: اعلم - وفقك الله - أن الزوجة المكتوبة لن يمنعها أحد كائنًا من كان؛ لقوله سبحانه: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].
خامسًا: أنت ما زلت مراهقًا، وقراراتك قد تخضع للعشق وشيء من العجلة؛ ولذا فأنصح بالتأني في قراراتك، خاصة العاطفية، وألا يفتنك الإعجاب بالجمال عن الدراسة العقلية المتأنية، فكم من بُهروا بجمال فتيات، وتزوجوهن ثم حصلت المصائب والاختلافات المقلقة! واعمل بالحديث الآتي: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تُنكَح المرأة لأربع: لمالها، ولحسَبِها، ولجمالها، ولدِينها، فاظفَرْ بذات الدين تربتْ يداك))؛ [متفق عليه].
سادسًا: وأنصحك بأن تستفيد من خبرة أهلك في اختيار زوجتك؛ فهم أهل دراية بحالك وما يناسبك.
سابعًا: بدلًا من الاستسلام لغموم لا مبرر حقيقي لها، اشغل نفسك بما يدخل السرور على قلبك؛ وهو:
١- الإكثار من العبادات، خاصة الصلاة، والتلاوة، والدعاء.
٢- الاسترجاع.
٣- الإكثار من ذكر الله.
٤- تقوية التوحيد في القلب، وخاصة الإيمان بالقدر، وبحكمة الله سبحانه، والرضا بما يقسمه الله.
٥- الإكثار من حمد الله، وشكره على نعمه التي منها ظهور حقيقة هذه الفتاة، وصرف الله لها عنك.
٦- اليقين بأن الله سبحانه بتوفيقه سيعوضك بخير منها، وستنساها بعد ذلك تمامًا، بل وتحمد الله كثيرًا.
ثامنًا: إذا أردت خِطبة فتاة، فركِّز على دينها وخلقها أكثر من شكلها، واستخر الله كثيرًا بتجرد كامل بعيدًا تمامًا عن سيطرة جاذبية الجمال، وإن اجتمع الجمال مع الدين والخلق، فذلك طيب جدًّا.
حفظك الله، ورزقك زوجة صالحة تسعدك، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.