إنها الساعة الثالثة فجراً من ليل ثلاثاء عادي. جميع شركائي في السكن يغطون في النوم، والسكون والعتم يلفان كل شيء، لا أحد يتحرك. لا أحد سواي، على ما يبدو. لم أشعر قبلاً بأي انزعاج بسبب مشكلة التكلم أثناء النوم التي ترافقني منذ 23 عاماً، إلى أن بدأت بتسجيل حواراتي الليلية مع نفسي وسمعت الكلام الذي أتفوه به. في مقطع سجلته الليلة الماضية مثلاً، يختفي صوتي العادي المرح ويحل محله صوت أشبه بوحش أجش من فلم نشاط خارق Paranormal Activity الذي يتناول الظواهر الخارقة للطبيعة. فجأة أسأل "لما أنت ميت؟" في ظلام الليل الحالك. كانت تلك الكلمات- لو عذرتم التعبير- أقرب إلى نداء للصحوة.
كما قلت سابقاً، كنت متصالحة إجمالاً مع فكرة أنني أتكلم أثناء النوم. كتب في كل تقاريري المدرسية أنني أثرثر طوال النهار، لذلك كان من المفهوم منطقياً أن أستكمل الثرثرة نفسها في الليل. كما بدا لي أنها حكاية طريفة تمتع الجميع عندما أسردها عليهم في الحانة. لكنها ربما لم تكن واقعاً مسالماً أو مضحكاً بالنسبة إلى الآخرين. سافرت في سبتمبر (أيلول) برفقة صديقتي المقربة إلى نيويورك في زيارة مدتها سبع ليال، وتشاركنا غرفة مزدوجة لشخصين كي نقتصد بالتكاليف. يبدو أنني لم أتوقف عن الثرثرة أثناء الليل- لكنني لم أكن أتكلم معها، فهي كانت تحاول النوم. فإضافة إلى اضطراب اختلاف التوقيت الذي عانيناه نحن الاثنتين، عندما حاولت صديقتي النوم لم تتمكن من ذلك لأنني أنا، إيلي موير الثرثارة، لم أقدر على السكوت. وفي حادثة محرجة أخرى، قلت لرجل بدأت للتو بمواعدته "أحبك"، في وقت باكر جداً على الاعتراف المدوي بالحب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما الذي يحدث؟ احتجت إلى إجابات حفاظاً على صحتي النفسية-وصحة أصدقائي النفسية كذلك. التمست المساعدة من المعالجة النفسية هيذر داروال-سميث من مجلس المملكة المتحدة للعلاج النفسي (UKCP)، وهي مختصة بقضايا الوعي واضطرابات النوم. وتخبرني داروال-سميث خلال جلستنا الأولى أن "التكلم أثناء النوم عادة ما يكون أمراً وراثياً وقد ينتقل غالباً بين أفراد الأسرة الواحدة. وهو شائع في فترة الطفولة وغالباً ما يتخلص الأطفال منه مع الوقت. لا نعلم ما الذي يحدث تماماً. لكنه يعتبر عادة اضطراب نوم غير مؤذ إلا إذا حدث بالتزامن مع اضطرابات أخرى".
لكن يبدو أنني لست الراشدة الوحيدة التي لم تتخلص من التكلم أثناء النوم بعد الطفولة. تقول دراسة أجريت في الولايات المتحدة في عام 2010 إن 66 في المئة من الأشخاص يتكلمون أثناء النوم في مرحلة من حياتهم وإن ذلك وقع مع 17 في المئة من بينهم خلال الأشهر الثلاثة التي سبقت- لكنه من النادر أن يستمر الإنسان بالتكلم أثناء النوم طوال حياته، كما أفعل أنا.
بعد التأكيد على أن التكلم أثناء النوم لا يشكل اضطراباً مؤذياً بالضرورة ولا حالة تتطلب العلاج الطبي، أول سؤال توجهه لي داروال-سميث هو التالي: لماذا أريد لهذه الحالة أن تتوقف؟ أولاً، أريد الحفاظ على أصدقائي. وثانياً- لا أريد أن أوقع الرعب في قلوب الذين سأقع في غرامهم مستقبلاً. وإلى ذلك… إن كنت أتكلم باستمرار، فهل يتسنى لذهني أن يرتاح على الإطلاق؟
عرفت أن الخطوة الأولى قبل الحديث مع داروال-سميث كانت أن أستمع بنفسي إلى ثرثرتي أثناء النوم- ولهذا السبب بدأت بتسجيلها كل ليلة على هاتفي. لكن عندما أعدت الاستماع إليها، لاحظت وجود نمط. أنا أشكل جملاً مفهومة إلى حد بعيد، وأجري أحاديث فيها أخذ ورد مع شخصيات أحلامي. وفي ما عدا تسجيل "لما أنت ميت؟" المخيف، أبدو أكثر فرحاً في ليال أخرى: فأجري محادثة لطيفة مع شخص عن قطته. وأقول "ياه! ما أجملها". وفي تسجيل آخر، أظهر كأنني أستهل جدلاً مع مجموعة شبان في حانة إذ أسأل "ماذا يحدث يا صاح؟" ثم أتحدث في تسجيل صوتي آخر عن رجل يهوى وضع أحمر شفاه والدته. أعترف بأن محتوى خُطبي الليلية غريب- لكنها كلها حوارات وأحاديث.
أخبر داروال-سميث بكل هذا، فتسألني إن كنت أعاني صرير الأسنان ليلاً. نعم، أعانيه. لكن مع أنني كنت أسير أثناء النوم في طفولتي، لا أتحرك أبداً هذه الأيام عندما أتكلم أثناء النوم. وتشرح لي بأن أحلامنا غالباً ما تكون مساحة تمرين للدماغ. وتقول لي إن كلامي أثناء النوم "يبدو رد فعل على التوتر النفسي"- أي كأنني أتدرب وأستعد للحوارات التي قد أجريها خلال الأيام المقبلة. "فالدماغ يستوعب المحتوى ويجبله ببعضه بعضاً، فيحدث أن تجربي بعض الأشياء، كما لو كنت تتدربين عليها. فأحد الأمور المذهلة في شأن النوم هي وظيفة التعلم والذاكرة، كما لو أننا نغلق عقلنا الواعي كي يبدأ دماغنا باستيعاب محتواه وفهمه".
تذكرني داروال-سميث أنه فيما قد يبدو الموضوع عادة مزعجة بالنسبة إلي، فعلي أن أحتفي بفكرة أن دماغي يعمل بشكل إضافي ليساعدني في استيعاب أفكاري وتنظيمها. "قلت إن ذلك قد يكون مزعجاً من جوانب عدة لكن أليس مذهل أن دماغك يحاول مساعدتك على تنظيمه؟". تساعدني هي في محاولة تغيير وجهة نظري في شأن التكلم أثناء النوم باعتباره عادة "سيئة" أو "مزعجة". تطلب مني أن أبحث في داخلي عما يحرجني في أن يسمعني الآخرون. وتذكرني أنه "بدل القلق بشأن الموضوع والشعور بالذنب تجاه ما يحصل، فإن التفكير من زاوية مختلفة قد يساعد في تغيير العلاقة معه".
تؤكد لي المعالجة النفسية بأنني "بمأمن تام" وتذكرني بأن التكلم أثناء النوم يعتبر اضطراب نوم غير مؤذ أبداً. "لا يمكن لأحد أن يمنعك من فعل ذلك. من المهم جداً أن تعرفي بأننا نعد التكلم أثناء النوم عادة أمراً غير مؤذ، قد يزعج الأشخاص الذين قد ننام معهم لكن عادة لا يخضع للعلاج سوى في حال ارتباطه باضطراب نوم آخر".
مع ذلك، على سبيل مساعدة دماغي، توصيني داروال-سميث ببعض التمارين التي قد تساعد في تنظيم جزء من النشاطات التي تظهر في أحلامي. وتقضي الخطة بأن أخفف بعض دواعي قلقي. وهذه هي مذكرات نومي التي أدون فيها كل شيء، بدءاً بالساعات التي أنامها ووصولاً إلى حالة نومي. ويقتضي تمرين آخر يسمى "تعليب الأفكار" أن أدون أفكاري على ورقة ثم أودعها علبة أحذية فارغة. لكن التمرين الذي أجد فيه الفائدة الأكبر هو ضبط عداد لمدة 10 دقائق وكتابة كل ما يخطر على بالي من هواجس وقلق إلى أن يتوقف العداد. وتقول دارويل-سميث إن "الأمر يتعلق بحفظ تلك الأفكار بشكل واع في المفكرة، كي يتسنى لك أن تقولي لدماغك: أنا أتحكم بهذا الموضوع وهذه الفكرة وأعلم أين وضعتها ويمكننا أن نعود لها متى ما احتجتها. لا شك أنه يمكننا فعل كثير من الأمور لتقليص التوتر النفسي وتدريب الدماغ على التصرف بطريقة مختلفة واستيعاب المواد بطرق مختلفة. لكن يجب الاعتراف بوجود تلك الأفكار أولاً".
خلال فترة ثلاثة أسابيع قضيتها في تسجيل كلامي أثناء النوم، مرت ليلة لم أنبس فيها ببنت شفة. يبدو أنني أنجح في تهدئة ذهني الثرثار. اعتدت على تدوين أفكاري بسرعة خلال 10 دقائق في المساء، ولا سيما في الليالي التي أشعر فيها بقلق شديد. هذا يجعلني أشعر بأنني متحكمة بأفكاري بدرجة أكبر وآمل أن يخفف ذلك من عمل دماغي.
لكن هل تترجم كتابة المذكرات هذه بشكل مباشر إلى تقليص الكلام أثناء النوم؟ من الصعب أن أعرف ذلك مع أن التسجيلات الحديثة لا تبدو كأنها خارجة من فيلم رعب. بل سمعت نفسي أقهقه وألقي النكات أو أجري أحاديث لطيفة مع أصدقائي (الوهميين) أثناء النوم، يبدو أن شخصيتي التي تتكلم أثناء النوم راضية أكثر. كما أنني غير مضطرة إلى القلق في شأن انتقادي لأي شخص كان يرقد إلى جانبي.
لكن الأهم هو أنني تعلمت عدم الخجل من التكلم أثناء النوم. بل في الحقيقة أشعر بالفخر من دماغي الذي يساعدني في غربلة هواجسي. لذلك، إن شاركني أي أحد السرير في المستقبل، سأعطيه سدادات أذن- لأنها الساعة الثالثة فجراً، وعلى دماغي العمل على تنظيم بعض الأشياء.