تاريخ الإضافة: 7/10/2024 ميلادي - 4/4/1446 هجري
الزيارات: 38
♦ الملخص:
فتاة تضررت كثيرًا من أبيها؛ حيث يقلل فرص زواجها، باشتراطه زوجًا من قبائل بعينها، وفي الوقت نفسه يرفض تولي أمر البحث عن زوج لابنته، وهي تسأل: هل يحق لها رفع دعوى لعضله إياها أو يُعَد هذا عقوقًا؟
♦ التفاصيل:
أبي لا يريد أن يتولى أمر زواجي؛ فأنا من أبحث عن طريق الخطَّابات أو الوسطاء، وهو يرفض بحثي بهذه الطريقة، وأيضًا هو لا يرضى بخاطب إلا من قبائل بعينها؛ ما جعله يُضيِّق عليَّ، ويجلب لي العنت والضرر، فإذا أتى خاطب من قبيلة غير التي يريد، فلا يوافق، إلا بعد نقاش، ويقول: انظري مصلحتك، أنتِ من ستتعب، وطلبت منه أن يُوكَّل في الزواج، لكنه رفض، فإن – بعد محاولات عدة – استمر على رأيه، فهل يحق لي رفع دعوى ولو قطعني وهجرني، أو يدخل ذلك في العقوق والإثم؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فأيقني - ابنتي - أن الرزق والزواج وتدابير الكون بيد الله وحده سبحانه، وهذا يتطلب منكِ التوكل عليه، والفأل، وعدم اليأس، والإلحاح بالدعاء، وعدم النظر إلى ما عند الآخرين، وأن المعطيَ والمانع هو الله وحده لا شريك له، وتحري أوقات الإجابة في ذلك بأن يرزقكِ الله الزوج الصالح والذرية الطيبة؛ هذا أولًا وقبل كل شيء.
ثانيًا: يظهر من سؤالكِ أن الوالد لم يمنعكِ، وإنما قال - حسب فهمي لسؤالك - إن هذه القبيلة لا تصلح، والخيار بيدكِ، فلو ألححتِ عليه بدون رفع قضية عَضْلٍ، لَربما استجاب لكِ، إذا كان الزوج ممن ترضَون دينه وخُلُقه، ولو فُرِض أنه تقدم لكِ شخص مكافئ لكِ من حيث الدين والخُلُق والنسب، ورَفَضَ الوالد رفضًا قطعيًّا، وتكرَّر منه بدون سبب واضح، فحينئذٍ لكِ هذا، ولا يعني عدم البر بأبيكِ، بل تستمرين على برِّه ومعاملته بالحسنى، فهذا حق، وذاك حق، ولا إثمَ في مثل هذا؛ قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا منع الوليُّ تزويجَ امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه، فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء؛ العصبة الأَولَى فالأولى، فإن أبَوا أن يزوِّجوا كما هو الغالب، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوِّج المرأةَ الحاكمُ الشرعي، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه، وعلِم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها، أن يزوِّجها؛ لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة.
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الوليَّ إذا تكرر ردُّه للخاطب الكفء، فإنه بذلك يكون فاسقًا، وتسقط عدالته وولايته، بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته، فلا يصح أن يكون إمامًا في صلاة الجماعة في المسلمين، وهذا أمر خطير.
وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفًا يرد الخُطَّاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن، وهم أكْفَاء، ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج، وهذا أمر واقع، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد، أيهما أشد مفسدة: أن تبقى بلا زوج، وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه، فإن كبرت، وبرد طلبها للنكاح، زوَّجها، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها.
لا شكَّ أن البديل الثاني أولى؛ وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك، ولأن في تقدمها للقاضي، وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها، فإنَّ غيرها سوف يقدم كما أقدمت، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردعًا لهؤلاء الظَّلَمة الذين يظلمون من ولَّاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء؛ أي إن في ذلك ثلاث مصالح:
مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج، مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليَتْبَعْنَهُ.
منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم، أو فيمن ولَّاهم الله عليهن من نساء، على مزاجهم وعلى ما يريدون.
وفيه أيضًا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: ((إذا أتاكم من ترضَون دينه وخُلُقه فأنكحوه، إلا تفعلوا، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)).
كما أن فيه مصلحة خاصة؛ وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق"؛ ا.هـ؛ [فتاوى إسلامية (3 /148)].
أسأل الله تعالى أن يرزقكِ زوجا صالحًا، هاديًا مهديًّا، وذرية طيبة، وكل محتاج لذلك من المسلمين.