♦ الملخص:
شاب لا يستطيع العمل لمرضه، يعيش مع أبيه المريض بالفصام، وأبوه لا يريد أن ينفق عليه، بل يريد أن يأخذ منه، والأدهى من ذلك أن أباه ينفق أمواله في شرب الدخان، وهو يريد الابتعاد عن أبيه والذهاب إلى مدينة أخرى، ويسأل: ما الحل؟
♦ التفاصيل:
والدي يعاني من انفصام عقلي، وانا ابنه الكبير، تخرجت في الجامعة، وأود أن أعمل، لكن منعني المرض، وليس لديَّ المال للعلاج، ووالدي لا يعطيني أيَّ مال، بل يريد أن أساعده بالمال، علما بأنه ينفقه في الدخان، ويرفض النصيحة، ويقسو عليَّ بالكلام، حتى يهيج عليَّ القولون، وقد تعبت من ذلك، وأود البعد عنه والذهاب إلى مدينة أخرى؛ لأنه أتعبني نفسيًّا؛ إذ إنني فقير ومريض، والحمد لله على كل حال.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتك حسب وصفك هو:
١- والدك مريض بانفصام عقلي.
٢- وأنت أيضًا مريض بمرض منعك من مزاولة الأعمال الوظيفية.
٣- وليس لديك نفقات العلاج ووالدك لا يعطيك أي مبالغ مالية، بل ويريد أن تساعده ماديًّا.
٤- والدك يضيع الأموال في شرب الدخان.
٥- والدك لا يقبل النصيحة، ويقسو عليك بالكلام إلى أن يهيج عليك القولون.
٦- تقول أنك تعبت نفسيًّا من سوء تعامل والدك معك، وتريد الابتعاد عنه بالذهاب لمدينة أخرى، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: اعلم - وفقك الله - أن برَّ الوالدين واجب عظيم على الأبناء، يؤجرون على القيام به، وليس مجرد مكافأة على معروف؛ لقوله سبحانه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].
بل إن الله عز وجل أمر الأبناء ببر الوالدين، ولو كانا مشركَين، ويأمران أبناءهما بالشرك مع عدم طاعتهم في المعصية؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15].
ثانيًا: إذا كان يلحقك من العلاقة بوالدك ضرر، حسب وصفك؛ بسبب مرضه العقلي، فإنك تُبقي على قدر من العلاقة والبر، الذي لا يلحقك بسببه ضرر، وتتلافى به العقوق.
ثالثًا: والدك له حق عليك؛ ولذا التمس من يُساعده في العلاج من الانفصام العقلي، ومن شرب الدخان.
رابعًا: الدخان محرم، وليس مكروهًا كما يعتقد بعض الناس؛ ولذا يُناصح بترك شربه، ولا بد من معالجته بالذهاب به لعيادات أو جمعيات مكافحة الدخان.
ولي رسالة هنا في شبكة الألوكة بعنوان: (حوار طريف بين داعية ومحرم مدخن في ميقات السيل)؛ لعله يطَّلِع عليها، ففيها توجيهات مهمة تتعلق بشرب الدخان.
خامسًا: تحمَّلْ قسوة والدك، وقدِّر ظروف مرضه، واجتهد في عدم رفع الصوت عليه، أو مجادلته، واحتسب الأجر في ذلك.
سادسًا: أما تفكيرك بالابتعاد نهائيًّا عن والدك، فلا أنصحك به أبدًا؛ لِما قد يؤدي له من عقوق، ولأن والدك تحملك وأنت صغير، ورباك وأنفق عليك، فلما كبر ومرض، تتركه؛ هذا عقوق وجحود.
سابعًا: إن كان والدك قادرًا ماليًّا على علاجك، فيجب عليه ذلك، فيُذكَّر بذلك.
ثامنًا: لا تنسَ علاجات شرعية مهمة جدًّا لعلاجك وعلاج والدك؛ هي:
الدعاء.
الاستغفار.
الاسترجاع.
الصدقة.
تاسعًا: لا تزكِّ نفسك، وراجع أخلاقك وتعاملك مع والدك؛ فقد تكون غضوبًا أو حساسًا، لا تحتمل أي تصرف من والدك، أو تسيء الظن بأي كلمة منه، أو جافًّا معه، ثم بعد ذلك كله تتهمه بالأخطاء والقسوة، بينما أنت المتسبب فيها؛ ولذا من المهم جدًّا محاسبة نفسك على أخطائك مع والدك وتصحيحها.
حفظك الله، ورزقك حسن الأخلاق.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.