أبواب المغرب الأثرية تفتح على التاريخ وتوصد على النوائب

منذ 10 أشهر 118

لا يعرف المغرب فقط بالعدد الكبير لأضرحته وزواياه الصوفية، بل أيضاً بأسواره الشاهقة التي تحيط بمدنه وحواضره، كما بأبوابه العبقة بتاريخ عريق سطرته إمبراطوريات ودول حكمت البلاد منذ قرون خلت.

وتتزين معظم الحواضر الكبرى والقديمة في المغرب بأبواب تاريخية استطاعت الصمود أمام نوائب الدهر، لتحكي قصصاً من عمق التاريخ عن أدوراها المختلفة في الحراسة والدفاع العسكري، قبل أن يتحول بعضها إلى فضاءات للاحتجاج الاجتماعي أو للتنزه أو عرض للفنون، وينطفئ وهج بضعها الآخر وتصير "نسياً منسياً".

احتجاج ورواج شعبي

في العاصمة المغربية الرباط توجد عديد من الأبواب التاريخية الشهيرة، من قبيل باب "الرواح" وباب "الأحد" (أو الحد) وباب "زعير" وباب "شالة" وهي أبواب لا تزال تحافظ على عبقها التاريخي رغم صروف الزمن وتقلبات الدهر.

باب "الأحد" على سبيل المثال بني في عهد الدولة الموحدية، مثل معظم أبواب وأسوار وأبراج وباقي معالم العاصمة الرباط، وخضع للتجديد من طرف السلطان مولاي سلميان في القرن الـ19.

وسبب تسميته يعود إلى أن سوقاً أسبوعية كانت تقام في الساحة الملاصقة للباب التاريخي، الأحد، في القرن الـ12 وبات يطلق عليه المغاربة اسم "باب الحد" ويؤدي حالياً إلى "السويقة" بالمدينة العتيقة، وهي إحدى أكبر الأسواق الشعبية والتقليدية في الرباط والمغرب.

وطال الإهمال باب "الحد" سنوات عديدة حتى إن المتسكعين كانوا يتخذونه ملاذاً ومأوى لهم، قبل أن تنتبه سلطات العاصمة إلى هذا الأمر، إذ عمدت إلى ترميمه وحمايته وتحصينه من مظاهر الإهمال والتخريب.

واللافت في باب "الحد" أنه صار عنواناً ومقصداً أيضاً للمحتجين من الفئات الاجتماعية المتعددة، ففي ساحة هذا الباب التاريخي يتم تنظيم وقفات احتجاجية للمعلمين والممرضين والعمال وباقي الفئات في قطاعات مختلفة، حيث تصدح الحناجر بالمطالب الاجتماعية التي يرى أصحابها أنها مشروعة، لينطلقوا أحياناً صوب ساحة البرلمان في شارع محمد الخامس الشهير وسط الرباط.

أناقة وفنون

وفي الرباط باب شهير آخر هو "باب الرواح"، الذي بني في نهاية القرن الـ12 تحت حكم الدولتين الموحدية والعلوية بعد ذلك، لكن الذي تكلف بالتشييد حينها كان السلطان الموحدي يعقوب المنصور.

باب_الأحد_الشعبي__مواقع_التواصل.jpg

ولهذا الباب تسميات مختلفة من قبيل "باب الريح"، و"باب الربح"، لكن التسمية الأشهر التي ظلت متداولة عبر عقود الزمن هي "باب الرواح"، وهو باب تاريخي يعتبره المهتمون الأضخم أثرياً في الرباط من حيث طوله وعرضه وارتفاعه أيضاً.

وإذا كان باب "الحد" معروفاً بطابعه الشعبي وحركته الدؤوبة بحكم رواج "السويقة" والحركات الاحتجاجية، فإن "باب الرواح" معروف أكثر بهدوئه وأناقته، على رغم كونه باباً تم استحداثه تاريخياً لأسباب عسكرية وأمنية، دفاعاً عن المدينة وسكانها من أي هجمات.

ومن مظاهر هذا الهدوء الذي يحيط بالباب التاريخي الذي لا يبعد كثيراً عن ثكنة الحرس الملكي وجامعتي الآداب والعلوم، إقامة أحد أشهر معارض الفنون التشكيلية داخله، حيث يأتي إليه كبار الرسامين والفنانين والمهتمين، ليظل الرواق الفني قائماً يحتفي بزواره في هدوء كامل من دون ضجيج.

وأما باب "شالة" الأثري فيقع فوق هضبة تكاد تطل على المدينة من الأعلى، وتسميته بذلك الاسم تعود إلى المدينة الرومانية القديمة في القرن السادس قبل الميلاد، والتي اندثرت بصورة كبيرة ولم يبق منها سوى بعض الأعمدة والمعالم الرومانية القديمة، لتصبح مع الزمن مقصداً للسياح يفدون إليها من كل حدب وصوب.

أبواب سلا

وبجوار الرباط على الصفة الأخرى لنهر أبي رقراق تقف مدينة سلا، شقيقتها "غير المحظوظة" كما يصفها البعض، بالنظر إلى عدم استفادتها من مشاريع التنمية مثل العاصمة الإدارية، وفيها أبواب تاريخية تعرض كثير منها للإهمال والتدمير على رغم حملات الترميم والصيانة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولأن سلا مدينة تاريخية بامتياز، باعتبار بنائها في بدايات القرن الـ11 من طرف أسرة بني عشرة التابعة لإمارة بني يفرن، فإنها تضم عدداً من الأبواب الأثرية لعل أشهرها باب "لمريسة" وباب "الخميس" وباب "شعف" وباب "بوحاجة".

ويرى كثيرون أن باب "المريسة" أكبر باب تاريخي وأثري في المغرب، وهو أحد أقدم الأبواب في البلاد، حيث تقول المصادر والكتب التاريخية إن بناءه اكتمل سنة 1270 على يد المرينيين، جراء نهب مدينة سلا من طرف ألفونس العاشر القشتالي.

وسر تسمية باب "المريسة" مشتق من المرسى أو الميناء الصغير، حيث كانت مياه وادي أبي رقراق الذي يفصل حالياً بين الشقيقتين الرباط وسلا، تغمر المنطقة وكانت السفن البحرية ترسو عند هذا الباب، فسمي كذلك، وفق مصادر تاريخية متطابقة.

وأما باب "الخميس" فسمي لأنه كان في القديم تقام سوق أسبوعية لبيع المواشي كل خميس، وأغلقته السلطات المغربية عام 1991، وتركت بوابة عبارة عن منفذ يمر منه سكان المدينة العتيقة لسلا.

أبواب مراكش

وفي جنوب البلاد تشتهر مدينة مراكش الملقبة بعاصمة النخيل والمدينة الحمراء، بأنها مدينة الأبواب التاريخية السبعة، وهي أبواب "دكالة" و"أغمات" و"الرب" و"أكناو"، وكذلك "الخميس" و"الدباغ" وباب أحمر الذي كان يسمى سابقاً باب المخزن.

ومن أشهر هذه الأبواب التاريخية في مراكش باب "الرب"، ولهذه التسمية الفريدة والغريبة سر يتمثل في مشروب يحمل اسم "الروب" كان متداولاً في زمن الدولة الموحدية، وكان يشهد رواجه إقبالاً كبيراً من طرف السكان.

وهناك باب آخر لا يقل شهرة وفرادة هو باب "الدباغ"، ويسميه آخرون باب "الدباغين"، وسمي كذلك بسبب مدابغ الجلود المنتشرة في المكان منذ أمد بعيد.

باب_منصور_بمدينة_مكناس_مواقع_التواصل.jpg

وما زال حي الدباغين قائماً إلى اليوم، غير أن هذا الباب يتسم بالتعقيد حتى إن هناك من ينعته بأغرب باب تاريخي في العالم بالنظر إلى الاضطرار عند دخوله إلى الانعطاف خمس مرات والمرور بساحتين قبل الخروج منه.

مكناس وفاس

وفي مدينة مكناس، وسط المغرب، لا تزال أبواب تاريخية تقف شامخة وصامدة أمام عوائد الزمن وتدخلات البشر، ومن أبرزها باب "منصور" الذي شيد على يد السلطان مولاي إسماعيل في القرن الـ17.

ويعتبر باب "منصور" وفق مصادر متطابقة، من أجمل الأبواب التاريخية في العالم بالنظر إلى جمالية عمرانه وفرادة تشييده بطريقة تقليدية، حتى إن هناك من يراه تحفة معمارية تدل على براعة المعماريين في تلك الحقبة الزمنية.

وإلى جانب باب "منصور" الكبير، تزخر العاصمة الإسماعيلية مكناس بأبواب أخرى لا تقل أهمية وشهوداً على تاريخ البلاد، من أبرزها باب "البرادعيين" وباب "الخميس"، وباب "دار لكبيرة".

وفي مدينة فاس تتصب أبواب تاريخية شهيرة لعل أهمها باب "فتوح" الذي كان يضطلع بأدوار عسكرية واقتصادية وتجارية أيضاً، فقد كان مداراً رئيساً لدخول وخروج البضائع من وإلى المدينة.

وإلى جانب باب "فتوح" يوجد باب "سيدي بوجيدة" وباب "الخوخة" الذي شيد إبان حكم السلطان إدريس الثاني، ثم باب "بوجلود" الشهير الذي سمي كذلك نسبة إلى صناعة ودباغة الجلود، وهي المهنة التي ما زالت تقاوم عوامل الاندثار والانقراض إلى اليوم.