"آفروديت تونس"... للأقاصي نصيب من المسرح والسينما والموسيقى

منذ 1 سنة 152

يقود الشاب بلال العلوي في تونس تجربة فريدة من نوعها تتمثل في نقل الثقافة من عروض مسرحية وغيرها إلى المدن النائية التي لا تتوافر فيها مسارح وقاعات سينما.

وبدأ مشروع العلوي بفكرة بسيطة جسدها بتحويل سيارة إلى فضاء ثقافي متنقل، أطلق عليه تسمية "آفروديت"، وهو فضاء جاب البلاد طولاً وعرضاً ونجح في إيصال الثقافة إلى مناطق نائية على رغم الأخطار التي قد تواجه الفريق في بعض المناطق مثل منطقة المغيلة التي شهدت عمليات إرهابية وملاحقات بين المتطرفين والأمن.

لامركزية ثقافية

ويكسر مشروع العلوي النمطية السائدة في تونس بأن الثقافة حكر على العاصمة التي فيها بنى تحتية ثقافية تؤهلها بالفعل لأن تكون كذلك، إذ تضم عشرات قاعات السينما والمسارح علاوة على مدينة الثقافة التي تم تدشينها في السنوات الأخيرة واحتضنت مظاهر ثقافية مهمة.

وقال العلوي "قد أكون من القلائل إن لم أكن الوحيد الذي اخترت شعاراً لمشروعي وهو الحق في الثقافة للجميع وفي أي مكان، وهو شعار عملت عليه لسنوات".

وتابع، "قدمت من خلال الفضاء الثقافي المتنقل مئات العروض المسرحية انطلاقاً من حق الأطراف التونسية في الاستهلاك الثقافي خصوصاً الصغار، وأردنا ترسيخ اللامركزية الثقافية في الجهات التي تعاني تهميشاً".

وأوضح أن "آفروديت" أول فضاء ثقافي متنقل في تونس، "ولم يقتصر عمله على تقديم عروض، بل أصبحنا نقوم بتكوين الأطفال والموهوبين في المسرح وغيره".

لكن العلوي لا يخفي أنه بدأ يواجه متاعب مالية على رغم أن وزارة الشؤون الثقافية تعهدت بدعمه في وقت سابق، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تئن تحت وطأتها تونس.

وقال العلوي إن "مشاريعي بدأت بدعم من وزارة الشؤون الثقافية حتى عام 2019 مع ظهور بوادر أزمة اقتصادية، مما جعلني اليوم أعاني ديوناً متراكمة، لكنني كسبت مودة وحب الفنانين والصغار".

وفي ما يخص المناطق التي تشهد توترات قال "حرصنا على الذهاب إلى المناطق المهمشة والمتاخمة للجبال وهي مناطق حساسة، وقدمنا عروضاً في مناطق تعد من الخطوط الحمر بسبب انتشار الإرهاب فيها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشدد على أن "من يقطنون هذه المناطق يمكن أن نفتح لهم أبواباً بعيدة من أبواب التطرف والإرهاب والتهريب من خلال الفعل الثقافي، ويمكننا انتشال كثيرين من هذه المشكلات، إذ أطلقنا شعار محاربة الإرهاب بالفن".

ورسم العلوي لنفسه هدفاً واضحاً وهو تمكين الشباب الذي يقطن في مناطق تواجه نقصاً في أبسط مستلزمات العيش من مياه صالحة للشرب وكهرباء وصولاً إلى الحق الثقافي".

وقال "منذ عام 2017 ولغاية اليوم تحركت المناطق الداخلية بفتح فضاءات ثقافية لكنها تراجعت بعد ذلك، ونريد تكريس العدالة الثقافية وهو هدف صعب المنال خصوصاً أن سكان هذه المناطق بعيدون ليس فقط من الوجه الثقافي بل من المناحي الحياتية الاقتصادية وغيرها، ونعول على نيات الجهات المعنية للتغيير".

فعل لمقاومة البيروقراطية

وعلى رغم ضيق الحال وصعوبة التنقل واستكمال الحلم إلا أن كثيرين يرون أن من شأن "آفروديت" أن يضع حداً للصورة النمطية التي ارتبطت في الأذهان تجاه المناطق النائية التي بقيت لسنوات موطناً للتهريب والتهميش وغيرهما.

وقال الباحث في الشأن الثقافي صابر الميساوي إن "’آفروديت‘ مشروع حالم وتجربة نموذجية تعزز حق الجميع في الثقافة وفي كل مكان، وعنوان لحق الحالمين ولو بقسط قليل من المسرح والسينما والموسيقى وفنون الحياة في أقاصي تونس ومناطقها النائية".

وتابع الميساوي أنه "فعل أحيا مشروعاً طرحته وزارة الشؤون الثقافية ولم يثمر بعد، إذ رفعته لسنوات وظل ينتظر تفعيله، ويتبنى توجهاً نحو لا مركزية للثقافة والتفات للطبقات المحرومة".

وتواجه السلطات التونسية الثقافية منذ سنوات انتقادات في شأن ما يسميه كثيرون "تكريسها لمركزية ثقافية من خلال اقتصار الأحداث الثقافية الكبرى والنوادي الثقافية والمسارح على العاصمة والمدن المتاخمة لها".

وقال الميساوي إن "عجز وزارة الشؤون الثقافية عن إيصال الثقافة للمناطق المهمشة مرده احتكار بعضهم تمويلات دعم الأنشطة الثقافية، لا سيما في العاصمة والمدن الكبرى، فهؤلاء يستأثرون بالنصيب الأوفر على رغم رداءة نصوصهم ومحدودية تصوراتهم الفنية"، بحسب الميساوي.

ونفى مسؤول حكومي في المجال الثقافي، فضل عدم الكشف عن اسمه، وجود تهميش ومركزية شاملة كما يصفها بعضهم، قائلاً إن "القطاع عانى طوال عقود سابقة من مركزية بالفعل، لكن الآن هناك جهود نبذلها منذ سنوات لوضع حد لذلك، وشهدنا تطوراً مهماً على مستوى المظاهر الثقافية التي دخلت إلى عدد من المدن التي كانت محرومة منها سابقاً".

وأضاف المسؤول لـ "اندبندنت عربية" أن "القطاع الثقافي ليس منزهاً تماماً عن الخروقات، لكنه عازم على استئصال أي تعديات في هذا المجال".