هديل غبّون
عمّان، الأردن (CNN)-- باشتياق المتلهّف إلى وطنه دون انتظار، تستعد الستينية فرجة طعمة الرشيد في مخيم الزعتري للاجئين السوريين، للعودة إلى بلدتها السورية الغوطة، وهي تخيط أكياس "الخيش" الضخمة لتحمل بها بضاعتها من الألبسة وغيرها من الأغراض الشخصية بعد رحلة لجوء، استمرت لنحو 12 عاما.
اللاجئة الرشيد التي التقتها CNN العربية، خلال جولة ميدانية في المخيم ومن متجرها المخصص لبيع الملابس من أمام مركز العودة للاجئين في مخيم الزعتري ( 10 كم شرق مدينة المفرق شمال الأردن)، لجأت إلى الأردن برفقة أبنائها حين كان أغلبيتهم صغارا، وهي اليوم تعتزم العودة مع مطلع فبراير/ شباط، لحين ترتيب أوضاع العائلة التي امتدت، وخلق فيها جيل جديد من الأحفاد.
ولم تخف الرشيد الفرحة بالعودة المرتقبة إلى سوريا بعد سقوط النظام السابق، رغم تدمير منازلهم هناك واضطرارهم للبدء من جديد في تأسيس حياتهم حتى لو تطلب ذلك العيش في "خيمة" مجددا على حد قولها، وعبّرت عن رغبتها بنقل "الكرفان" معها، لإيوائها وزوجها المسن.
وتعتبر الرشيد، من بين نحو 80 ألف لاجىء سوري يقطنون مخيم الزعتري للاجئين، بحسب بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على موقعها الرسمي، فيما أعلنت الحكومة الأردنية منذ العاشر من ديسمبر/ كانون الأول، عن حزمة من التسهيلات للاجئين السوريين "للعودة الطوعية" إلى سوريا، سواء من قاطني المخيمات الذين يشكّلون نحو 18% من اللاجئين السوريين في المملكة وفقا للمفوضية، أو من القاطنين خارجها.
وفي هذا السياق، كشفت أحدث البيانات التي حصلت عليها CNN بالعربية من وزارة الداخلية الأردنية، عن مغادرة "1513 " من اللاجئين في مخيم الزعتري إلى سوريا منذ 10 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وحتى الأحد من بداية هذا الأسبوع 19 يناير/ كانون الثاني، فيما غادر 704 لاجئين سوريين من مخيم الأزرق الذي افتتح في 2014 ويقدر عدد اللاجئين فيه بنحو 38 ألفا، وذلك خلال الفترة الزمنية ذاتها.
أما أعداد السوريين الإجمالي الذين غادروا إلى سوريا عبر معبر جابر الحدودي شمال البلاد منذ 6 ديسمبر، ولغاية الأحد، فقد بلغ 73288 من السوريين، بحسب بيانات وزارة الداخلية الأردنية التي حصلت عليها CNN بالعربية.
ويستضيف الأردن بحسب الأرقام المعلنة رسميا قرابة 1.3 مليون لاجئ سوري، تشير المفوضية إلى تسجيل قرابة 611 ألف منهم على سجلاتها حتى نهاية ديسمبر.
وعند واجهة مركز العودة الطوعية التابع لمديرية شؤون اللاجئين الحكومية في مخيم الزعتري، تتجدد طوابير اللاجئين المنظّمة كل ساعة تقريبا، ليغادر البعض حاملا موافقات المغادرة الرسمية مسرعا، فيما ينضم البعض الآخر لتقديم الطلب وسط إجراءات أردنية رسمية تيسيرية، بحسب ما أكد لاجئون في حديثهم لـ CNN بالعربية.
وقال السوري خالد إبراهيم بردان، الذي كان قد خرج لِلتَّوّ من مركز العودة الطوعية في المخيّم، إن إجراءات التسجيل سهلة وتتطلب تقديم أوراق ثبوتية أساسية رسمية، معربا عن أمله بالعودة السريعة إلى بلده درعا، ومتوقعا المغادرة خلال 3 أيام ( من إجراء اللقاء).
ويشكو لاجئون في المخيم، مما قالوا إنه "التكاليف الباهظة لأجور النقل الخاص للوصول إلى معبر جابر الحدودي" وهو ما تحدثت عنه الرشيد وكذلك بردان، بشأن كلف تتراوح بين 250-600 دينار أردني للنقل الذي يشمل كل "عفش" متعلقات العائلة وأفرادها.
ويذكر بردان: "سائقو سيارات النقل يطلبون من العائلة 350 و450 ( دينار أردني)، وهذه أسعار مرتفعة".
ويشير بردان إلى أن إجراءات إدارة المخيم التابعة للحكومة الأردنية، سهلة ويسيرة وتتطلب تقديم بعض الأوراق الثبوتية مثل شهادات الميلاد وعقود الزواج وتحديد موعد العودة بناء على تقدير اللاجىء، فيما أشار إلى أن مفوضية شؤون اللاجئين تطالب بتسليم "الكرفانات" رغم أن بعضها اشتراها اللاجئون في وقت سابق، لاستكمال إجراءات براءة الذمة لدى المفوضية.
ويعلق بردان على خسارته في شراء وتجهيز الكرفان، لـCNN بالعربية": "الآن يطلبون منا تسليم الكرفانات، وأنا اشتريت كرفانة بـ500 دينار وكلفتني داري 1200 دينار، والآن عند العودة طلبوا تسليم الكرفان، والمفوضية أعطوني فقط رقم منزل ولم يمدوا لي ماء أو كهرباء وكنت قد قدمت طلبات لكن سحبت من أهلي الماء والكهرباء"، وأضاف أن "تبرئة الذمة لاتكون إلا بتسليم الكرفان وأنا قد اشتريته".
وحول تطبيق الإجراءات لعودة السوريين الطوعية والوثائق المطلوبة، جددت وزارة الداخلية الأردنية لـ CNN بالعربية، تأكيدها على الالتزام بسلسلة الإجراءات المعلنة لتسهيل العودة الطوعية.
وأوضحت أن الحكومة اتخذت "عدة اجراءات للتسهيل على الأشقاء السوريين للعودة الطوعية إلى بلادهم، وذلك بالسماح لهم بمغادرة المملكة بوثائق سفرهم السورية سواء أكانت جوازات سفر أو بوثائق السفر الاضطرارية".
كما أكدت الداخلية، في رد على استفسارات لـCNN بالعربية "السماح أيضا لهم بالمغادرة باستخدام بطاقة الخدمة الخاصة بالجالية السورية، كإجراء تسهيلي للعودة الطوعية"، مشيرة إلى أنه "يمكن لبعض الحالات أيضا التي لم تتمكن من الحصول على وثائق للمغادرة الحصول على تذكرة مرور من وزارة الداخلية الأردنية."
أما الشابة منى الثليجان، التي التقتهاCNN بالعربية لحظة خروجها من باب مركز العودة الطوعية في المخيم، بدت عليها علامات الفرح الغامر، بعد أن استوفت إجراءات العودة وحصلت على تصريح المغادرة لها ولزوجها وأبنائها ، مؤكدة عزمها المغادرة خلال ساعات إلى سوريا.
وأكدت الثليجان التي لجأت من ريف الشام بعمر الـ17 عاما مع أهلها في 2014 إلى الزعتري، سهولة إجراءات الأردن لعودة، قائلة إنها ستعود اليوم مع زوجها و6 من الأبناء.
وتضيف: "قررنا العودة على بلادنا لنؤسس حالنا من أول وجديد"، ولفتت إلى أنها ممن كانوا قد فقدوا الأمل بالعودة إلى سوريا، لكن قرار العودة لم ينتظر منذ سقوط النظام السابق.
وأشار لاجئون في المخيم، إلى أن الرغبة بالعودة إلى سوريا ملحّة إلا أنها قد تتأخر لأسباب اقتصادية، عدا عن تفضيل البعض الانتظار لحين استقرار الأوضاع هناك بشكل أكبر، فيما لايعرف أكثر من 168 ألف طفل ويافع ولدوا في المخيم منذ 2014 بلدهم سوريا.
إلى ذلك، رصدت CNN بالعربية حركة بعض المسافرين إلى سوريا عبر معبر جابر الحدودي، بما في ذلك الشكاوى من أجور النقل لسيارات السفريات الصغيرة، على خط عمّان دمشق، التي لا يلتزم بعض سائقيها بالتسعيرة الرسمية.
وقالت الناطقة الإعلامية باسم هيئة النقل البري في الأردن عبلة وشاح، إن الهيئة تتلقى كل الملاحظات المتعلقة بالسفريات الخارجية، بما في ذلك خط عمّان-دمشق الذي سمح له مؤخرا بالعمل مجددا وفق اشتراطات محددة.
وبينت في تصريحات لـ CNN بالعربية، بأن الهيئة ستعمل على دراسة مراجعة أجور النقل للسفريات الخارجية على هذا الخط، مؤكدة استعداد الهيئة للتعاون مع كل الجهات الدولية من أجل تسهيل عمليات النقل للاجئين الراغبين بالعودة إلى سوريا.
وكانت المفوضية أعلنت في وقت سابق أنها تعمل حاليا على تنفيذ مشروع تجريبي يهدف إلى توفير خدمات النقل بالحافلات للاجئين الراغبين بالعودة الطوعية إلى سوريا من الأردن.
وأضافت في بيان: "كجزء من هذا المشروع، تتواصل المفوضية مع عدد محدود من اللاجئين الذين أبدوا سابقاً رغبتهم في العودة و استفسروا عن إمكانية الحصول على دعم للمواصلات من خلال خط المساعدة التابع للمفوضية.سيتم توسيع هذا المشروع التجريبي خلال الأسابيع المقبلة، وستقوم المفوضية بمشاركة جميع التفاصيل والمعلومات المحدثة عبر قنواتها الرسمية".