3 عوامل وراء طفرة الاكتشافات الأثرية في المغرب

منذ 1 سنة 172

تتوالى الاكتشافات الأثرية والتاريخية في المغرب في أكثر من منطقة وموقع خلال الفترة الأخيرة، آخرها حفريات أثرية الأربعاء الماضي في معبد يهودي في إقليم طاطا جنوب البلاد، وقبلها اكتشاف مدفن قديم يرجع إلى الحقبة المورية بالعرائش، وقبلهما بقايا عظمية لأسد الأطلس يعود تاريخها لحوالى 110 ألف سنة، وفق المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث.

ويرى خبراء وباحثون أن المغرب يشهد طفرة من الكشوفات الأثرية والتاريخية التي تسهم في إعادة كتابة تاريخ البلاد من خلال إغناء الرصيد الأثري للمملكة والتعرف إلى تفاصيل جديدة في حياة المجموعات البشرية التي عاشت في تلك المنطقة وتعزيز التنوع الهوياتي والتاريخي للمجتمع المغربي.

أبرز الاكتشافات الأثرية

خلال الفترة الممتدة بين 27 فبراير (شباط) و7 مارس (آذار) الجاري، قام باحثون أركيولوجيون مغاربة وأجانب بحفريات أثرية في المعبد اليهودي "تكاديرت" بإقليم طاطا، عثر خلالها على لُقى أثرية ووثائق باللغة العبرية.

المعهد المغربي لعلوم الآثار والتراث أشاد بقيمة هذه الحفريات والاكتشافات الأثرية وقال ضمن بلاغ سابق له إن "اللقى في المعبد اليهودي المذكور لا تؤرخ فقط للمكون اليهودي بجنوب المغرب والتاريخ المحلي للمنطقة، بل أيضاً لتاريخ المغرب انطلاقاً من شواهده الأثرية المادية".

وأسفرت الحفريات أيضاً، تبعاً لباحثين مغاربة في المعهد ذاته، عن العثور، فضلاً عن وثائق باللغة العبرية ذات أهمية ووزن تاريخي، على تحف فنية داخل المعبد ونقود قديمة غير مسكوكة تعود لعهد سلاطين مغاربة حكموا البلاد قبل القرن الـ15.

أما في ناحية مدينة العرائش (شمال)، فقد تمت قبل أيام قليلة خلت، وفق معهد علوم الآثار، حفريات مكنت من الكشف عن بقايا مدفن قديم يرجع إلى الحقبة المورية السابقة على الاحتلال الروماني، ويؤرخ بما يزيد على 2000 سنة.

ووفقاً للمصدر عينه، "اكتشفت في جوف هذا المدفن بقايا عظمية غير كاملة لجثمان تعرض لحرق جزئي قبل دفنه، وهو طقس جنائزي يتم توثيقه للمرة الأولى في منطقة العرائش، كما وضعت مع الرفات متعلقاته الشخصية المتمثلة في شفرة سكين من الحديد وفأس فريدة من المعدن نفسه".

وسبق لباحثين مغاربة وأجانب أيضاً أن عثروا على بقايا عظمية لأسد الأطلس بالقرب من منطقة الصويرة، يعود تاريخها لحوالى 110 آلاف سنة. وتكمن أهمية هذا الاكتشاف الأثري أنه وللمرة الأولى يعثر على بقايا أسد الأطلس (المنقرض) في وسط غرب المملكة"، بحسب المعهد المتخصص ذاته.

وفي يناير (كانون الثاني) الفائت، كشفت أبحاث أثرية عن موقع حفريات بالقرب من مدينة زاكورة جنوب البلاد، يحتوي على حشرات ضخمة تسمى مفصليات الأرجل العملاقة، كانت تسبح في البحار العالمية منذ أكثر من 470 مليون سنة.

أسباب وفرة الاكتشافات الأثرية

وحول تفسيرات كثرة الاكتشافات الأثرية في المغرب، أفاد الباحث في الجغرافيا والآثار عبدالكريم ناضير في تصريحات إلى "اندبندنت عربية"، بأن أسباب هذا الزخم في الإعلان عن اكتشافات أثرية وتاريخية في المملكة، سواء التي تتعلق بالبشر أو الحجر أو الحيوان، تعود لثلاثة عوامل رئيسة.

العامل الأول يتجسد في الموقع الجغرافي والبيئي للمغرب الذي يتسم به، فهو بلد يحظى بواجهتين بحريتين أولاً، هما البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، كما أنه يتميز بثراء تشكيلته البيئية والجيولوجية من جبال وهضاب وصحراء وغيرها.

وتابع أن هذا التنوع الذي يزاوج بين البحر والسهل والصحراء والجبل، لا شك في أنه عامل يفسر هذا الرصيد الأثري للبلاد لأنها أشكال تضاريسية استوطنها البشر على مر حقبات زمنية مختلفة وعلى امتداد دول وإمبراطوريات حكمت أو مرت بالبلاد.

ومن الاكتشافات الأثرية المهمة التي عرفها المغرب قبل بضعة أعوام التي دلت على عيش الإنسان القديم في البلاد، اكتشاف علمي يتعلق بجمجمة أقدم إنسان عاقل على وجه الأرض حتى الآن التي يعود تاريخها بحسب باحثين مغاربة، لأكثر من 300 ألف عام وعثر عليها في جبل إيغود بمدينة اليوسفية وسط البلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإضافة إلى الجغرافيا المتنوعة التي منحت المغرب اكتشافات أثرية غنية وعدة لمجموعات بشرية تاريخية قديمة، يضيف الباحث عاملاً ثانياً يفسر فورة الاكتشافات الأثرية في البلاد، متمثلاً في الجهود الرسمية الرامية إلى إماطة اللثام عن الاكتشافات الأثرية لإثراء الخزانة البحثية والتاريخية للبلاد.

أما العامل الثالث، فهو الانتظام البحثي والعلمي الكبير لعلماء وباحثين متخصصين في التنقيب والآثار، بحيث أسهمت جهود باحثي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث في تحقيق هذه النتائج بالتعاون مع باحثين أجانب، وبالانفتاح على الجامعات والكوادر العلمية المعنية.

جدوى الاكتشافات الأثرية

ولهذه الاكتشافات والأبحاث الأثرية التي يتم الإعلان عنها بين الفينة والأخرى، منافع تاريخية وجدوى اقتصادية واجتماعية أيضاً، يوجزها عبدالحق زايدي أستاذ في التاريخ، في ثلاثة جوانب رئيسة، الأول هو تجريب إعادة تركيب التاريخ البشري وكتابته من جديد.

وأوضح أن الاكتشافات المهمة التي حصلت في مواقع مختلفة من البلاد تخلخل بشكل أو آخر بالمسلمات والمعطيات التاريخية المتداولة، من أبرزها مثلاً اكتشاف جمجمة أقدم إنسان عاقل على وجه الأرض في إحدى مناطق المغرب.

هذا المعطى عبر عنه خبير الآثار ومدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث عبدالجليل بوزوكار بالقول إن "نوعية الاكتشافات الأخيرة في المغرب وارتباطها باكتشافات أخرى مماثلة في العالم، يطرحان التساؤل عن مركز الحركة البشرية، هل هو المنطقة الجغرافية التي فيها المغرب الآن أم لا؟".

ويعود زايدي ليضيف جانباً ثانياً يمثل جدوى هذه الاكتشافات، عدا الجانب التاريخي الصرف، هو أن هذه الاكتشافات سواء في العرائش أو الصويرة أو زاكورة وغيرها، تتيح إنعاش هذه المناطق سياحياً، ذلك أن الإعلان عنها والترويج لها إعلامياً داخل البلاد وخارجها، يستقطبان بلا شك السياح المحليين والأجانب لزيارة هذه المواقع.

وأوضح أن الجانب الثالث من ثمار هذه الاكتشافات مرتبط بالثاني، ويتمثل في الرواج الاجتماعي والتجاري الذي قد تجلبه الاكتشافات الأثرية والتاريخية، إذ يتعين على السلطات استثمار هذه المواقع وإحداث مرافق يشتغل فيها أبناء المنطقة لاستقبال الزوار والسياح.