لا يضيف دعمُ رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري ومعه «حزب الله» النائب السابق سليمان فرنجية شيئاً على طريق تسهيل أزمة رئاسة الجمهورية في لبنان. بالعكس يزيد طرح اسم فرنجية تعقيدَ هذه الأزمة المتمادية منذ شغور كرسي الرئاسة في آخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
في البداية، يجب التذكير بأنَّ فرنجية نفسه لم يعلن ترشيحه حتى الآن. رغم ما يتردَّد من أنَّه قد يفعل ذلك في الأيام المقبلة. ويمكن الافتراض أنَّ مبادرة بري و«حزب الله» إلى إعلان تبني ترشيح فرنجية بهذه الطريقة «أحرج» الرجل بقدر ما أسعده. فدعم هذين الطرفين ليس مفاجئاً، بل هو من باب تحصيل الحاصل. لكن ما يمكن أن يكونَ سبباً لإحراج فرنجية أنَّ الرجل سبق أن صرّح قبل أكثر من شهر، على أثر لقائه مع البطريرك الماروني بشاره الراعي أنه ليس مرشح «حزب الله»، وقال إنه عندما يقرر أن يترشح فسوف يعلن ذلك بنفسه. ثم أضاف، أنه يسعى ليكون مرشحاً «توافقياً» قادراً على الانفتاح على جميع الأطراف. وما يفهم من هذا الكلام الواضح، أنَّ فرنجية يدرك الثمن الذي يترتب على طرح اسمه كمرشح «حزب الله»، وما يتبع ذلك من صعوبة «تسويقه» داخلياً وإقليمياً.
أما الأسباب في رأيي وراء التعقيدات المرتبطة بطرح اسم فرنجية مرشحاً للرئاسة، فيمكن أن أحصرها في ثلاثة:
1 - يدفع هذا الطرح الكتل المناوئة لوصول فرنجية إلى الرئاسة، وفي مقدمتها «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب» والنواب السنّة المستقلون وعدد من النواب التغييريين، إضافة إلى ما يمكن أن يتوفر من انشقاقات داخل كتلة «اللقاء الديمقراطي» (الحزب الاشتراكي) و«التيار الوطني الحر»، إلى مقاطعة جلسة الانتخاب، وبالتالي حرمانها من النصاب القانوني، أي ضرورة حضور ثلثي أعضاء المجلس (86 نائباً). وكانت هذه القوى قد رفضت في السابق فكرة تعطيل الجلسات، لكنها تجد الآن أنه خيارها الوحيد أمام إصرار «حزب الله» ورئيس البرلمان على مرشح من فريق «الممانعة» يكرر تجربة الرئيس السابق ميشال عون.
2 – يطرح ترشيح فرنجية إشكالية أخرى تتعلق بالحجم الذي يمثله على الساحة المسيحية، بعدما سرى التعارف على أن يكون شاغلو المناصب الرئيسية (رئاسة الجمهورية والبرلمان والحكومة) ممثلين لطوائفهم أو مقبولين منها. والمفارقة، أن هذا العرف كان من بين التبريرات التي استند إليها «حزب الله» بدعمه الرئيس ميشال عون سنة 2016، انطلاقاً من أن عون كان يتمتع بصفة تمثيلية مسيحية واسعة، بعدما كسب دعم «القوات اللبنانية» في ذلك الحين، إضافة طبعاً إلى دعم «التيار الوطني الحر» الذي كان برئاسته.
أما وضع فرنجية على الساحة المسيحية اليوم فمختلف تماماً. إذ لا يتمثل تيار «المردة» الذي يرأسه سوى بنائب واحد في البرلمان هو ابنه طوني فرنجية. في حين يتقاسم حزبا «القوات اللبنانية» و«الوطني الحر» أكثرية المقاعد المخصصة للنواب المسيحيين. وبالتالي يعدّان أنهما الأحق باختيار رئيس الجمهورية، سواء من كتلهما أو ممن يمكن أن يحصل توافق عليه من قبلهما.
طبعاً، يمكن القول إن «حزب الله» لن يبالي كثيراً باعتبار التمثيل المسيحي، ففي اعتباره أن اختيار رئيس يطمئن إليه و«لا يطعن المقاومة في الظهر» يفوق كل اعتبار آخر، ولكن يبقى مثيراً للشك أن يسير الرئيس نبيه بري إلى النهاية بدعم مرشح لا يتمتع بتأييد مسيحي واسع.
3 - وهنا نصل إلى العقدة الثالثة التي يشكّلها دعم «حزب الله» وحركة «أمل» للنائب السابق سليمان فرنجية. هذه العقدة تتمثل بصعوبة الخروج من المأزق الذي بات يواجهه الاسمان المطروحان بشكل معلن اليوم: فرنجية والنائب ميشال معوض. ففي ظل الشروط أو الإملاءات التي فرضها «حزب الله» (كعادته) عندما أعلن تبني ترشيح فرنجية بات يصعب حتى البحث عن مرشح «توافقي» يمكن أن يوافق عليه الحزب. أمين عام الحزب حسن نصر الله قال بوضوح: نحن لا نضع اسم فرنجية للمناورة أو للمقايضة، والمواصفات التي نأخذها في الاعتبار تنطبق عليه. ثم ذكّر اللبنانيين ومن يحب أن يسمع «لقد تم تجريبنا سنتين ونصف السنة في الانتخابات الماضية»، وهو يقصد أنه في النهاية حقق ما يريد.
هذا يشير إلى استعداد الحزب لممارسة التعطيل هذه المرة أيضاً إلى أن يرضخ الجميع لخياره. وكان رئيس كتلة «حزب الله» النيابية محمد رعد هدّد أيضاً «بمائة سنة من الانتظار» إلى أن يقبل اللبنانيون بالمرشح الذي يختاره «حزب الله» لهم. غير أن كل ما يمكن أن يؤدي إليه تصلب «حزب الله» هذه المرة هو إطالة أمد الأزمة الرئاسية؛ إذ إن القوى الرافضة لخيار مرشح «حزب الله» تجد أن رضوخها لهذا الخيار هو أسوأ من استمرار الفراغ الرئاسي.
ثلاث عقد لن يكون سهلاً على داعمي سليمان فرنجية أن يتجاوزوها: تأمين نِصاب جلسة الانتخاب صعب، وتأمين «الغطاء» المسيحي مستبعد في ظل معارضة القوتين المسيحيتين الأكبر، ورفض البطريرك الراعي الدخول في مسألة الأسماء والترشيحات أو تغطية أي من المرشحين. كما أن صورة المرشح «التوافقي» التي كان يطمح لها فرنجية لم تعد تنطبق عليه، بعدما بادر «حزب الله» إلى إعلان دعمه والتأكيد أن مواصفات الحزب للرئيس المقبل تنطبق عليه.