هل يمكن أن تعود رغبتي في الحياة؟

منذ 1 سنة 228

هل يمكن أن تعود رغبتي في الحياة؟


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/6/2023 ميلادي - 23/11/1444 هجري

الزيارات: 23



السؤال:

الملخص:

فتاة هي الكبرى في الأسرة، أفضلهم تعليمًا ووظيفة، مكافِحة ومتحمِّلة للمسؤولية، بارَّة بوالدتها، كنت في خدمة أسرتها من غير شكوى أو تبرُّم، بعد وفاة والدتها أُصِيبت باليأس والإحباط، خاصة عندما قررت أن يتحمل إخوانها بعض شؤون الأسرة، لكنهم استنكروا ذلك، وتطاولوا عليها، فكانت ردة فعلها قوية، لِما مر بها من مشاكل وصدمات، حتى وصلت إلى حدِّ اعتزال الناس، وعزوف عن فعل الخير، وعدم الاهتمام بالقرآن، وتعيش في حزن وضيق وكآبة، وتريد أن تعود إلى سعادتها وأنسها بالقرآن، وعمل الخير، وحب الناس.

التفاصيل:

أنا الأخت الكبرى في أسرتي، وأفضلهم تعليمًا ووظيفة، أعطيتُ لأمي رحمها الله وإخوتي كل ما أملك، من كل قلبي، لم أُشعِرْهم بأي معاناة أو ضغط، كنتُ كتومًا وصبورًا، ومشغولة بنفسي، سافرت إلى خارج البلاد للعمل، وسافر معي أحد إخوتي مَحْرَمًا، وبعد أن بذلت له كل ما يعينه على العمل وتحمل المسؤولية، كان دوره سلبيًّا، وكنت أعيش في عزلة ووحدة في السفر، ولم يكن معي أنيس إلا القرآن، ونِعْمَ الأنيس، ثم تُوفِّيت أمي، فما عدت أطيق العمل، ولا الناس، حتى لم يعُدِ القرآن أو الطاعات يُذهبان ما أجد في نفسي؛ فقررت العودة للقرآن ومراجعته، والانشغال بالدراسات العليا، وترك إخوتي يتحملون بعض المسؤولية، لكني فُوجئتُ بردود أفعالهم من التطاول في الكلام، وتعمد التجاهل؛ فأصبحت سريعة الغضب؛ أردُّ على كل خطأ في حقي بقوة؛ فتزداد الأمور سوءًا، نفِدت طاقتي، ولم تعد لديَّ رغبة في عمل الخير للناس، ولا أطيق الجلوس معهم في المناسبات، يدور بخَلَدي المواقف المؤلمة التي حدثت لي، سيما ما صدر من إخوتي، وأنه قد مضت أجمل سنوات العمر، على حين غفلة مني، في خدمة أسرتي، على رغم نصيحة الصديقات وزميلات العمل، أصبحت لا أستطيع أتحمَّل أي ضغط أو مسؤولية أو إساءة، وأريد نسيان ما حدث، وأن ترجع لي رغبتي في الحياة، والشغف بالعمل والدراسة وتطوير الذات، والاتزان النفسي، فما توجيهكم لي؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

ملخص المشكلة:

فتاة هي الكبرى في الأسرة، أفضلهم تعليمًا ووظيفة، مكافِحة ومتحمِّلة للمسؤولية، بارَّة بوالدتها، سافرت خارج بلادها من أجل العمل، والحصول على لقمة العيش، وسافر معها أخوها مَحْرَمًا، ولم يكن ذلك الرجل الذي يُظَنُّ فيه تحمل المسؤولية، رغم إتاحة الفرصة له بتوفير ما يلزم، تُوفِّيت والدتها، وحزِنت، ولكن القرآن معها شفاء وراحة، وفجأة أُصِيبت باليأس والإحباط، خاصة عندما قررت أن يتحمل إخوتها بعض شؤون الأسرة، ولكن بفعلهم، واستنكارهم، واستفزازهم وتطاولهم عليها، أُصيبت بردة فعل قوية، لِما مر بها من مشاكل وصدمات، حتى وصلت إلى حدِّ اعتزال الناس، وعزوف عن فعل الخير، وعدم الاهتمام بالقرآن، وتعيش في حزن وضيق وكآبة، وتريد أن تعود إلى سعادتها وأنسها بالقرآن، وعمل الخير، وحب الناس.

مناقشة المشكلة:

1- هنيئًا لكِ أيتها الفتاة المكافحة الصبورة تحمُّلَكِ المسؤولية في رعاية أسرتكِ، وبرِّكِ بأمكِ رحمها الله، وهذا توفيق من الله تعالى لكِ.

2- نعمة من الله أن جعلكِ من أهل القرآن؛ فهم أهل الله وخاصته؛ فمن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله أهْلِينَ من الناس، قالوا: يا رسول الله، من هم؟ قال: هم أهل القرآن؛ أهل الله وخاصَّتُه))؛ [رواه ابن ماجه]؛ فهي نعمة لا تُقدَّر بثمن، فالمحافظة عليها، والصبر على معاهدة القرآن ومراجعته، مطلب من المؤمن؛ بُغية أن يرفعه الله بالقرآن في الدنيا والآخرة.

3- كونكِ تحملتِ المسؤولية تجاه أسرتكِ وأمكِ، والبر بها ورعايتها والقيام بشؤونها، حتى جاءها الأجل، وأنتِ في خدمتها، مهما طالت السنون، فهذا توفيق من الله تعالى لكِ، فلا تظنِّي أنكِ ضيعتِ عمركِ وسنواتكِ سُدًى، كما تقول لكِ الصويحبات، والزميلات، أبدًا، فهذا القول جهل منهن؛ إذ لم يَعْلَمْنَ قيمة الاهتمام بالأم ورعاية الإخوة وشؤون الأسرة، فقد كسبت أجورًا عظيمة، وفضلًا كبيرًا، فكم من الدعوات من أمكِ نِلْتِ! وكم من الثواب حصلتِ عليه؛ من رعاية إخوانكِ وأخواتكِ! لا يا عزيزتي، فأنتِ قضيتِ سنواتٍ كلها إنتاج وتأسيس، وتربية ورعاية، فَلَكِ مثل أجور مَن ربيتِهم ورعيتِهم وهم صغار، فأصبحوا كبارًا يقومون بشؤون أنفسهم.

4- أما ردة فعل إخوانك، عندما قررتِ أن يتحملوا مسؤولية الأسرة، وما حصل من تطاول في الكلام، وعدم تقبُّل ذلك، فهذا أمر طبيعي؛ لأنهم عرفوا منكِ الطيبة والتضحية، وتحمل المسؤولية وخدمتهم، فمن الصعب تقبلهم هذا القرارَ، لكن عليكِ أن تتعاملي مع الموقف بحكمة وتعقُّل، وعدم انفعال، وتعتبري ذلك أمرًا متوقعًا، ومن ثَمَّ تعالجين القضية بحوار هادئ، وتُبيِّنين لهم أنكِ لن تتخلَي عن دوركِ في الأسرة، وكان الغرض من ذلك مشاركتهم في تحمل مسؤولية الأسرة، وغدًا سيستقل كل فرد بأسرة، فلا بد من التهيئة لذلك، مع العطف والرحمة بهم، وتقدير ظروفهم؛ فقد يكونون محتاجين لكِ ولرعايتكِ وخدماتكِ.

5- لا تندمي على سنوات عمركِ التي مضت، كما يصورها لكِ الشيطان، ويعززها الصديقات، أنكِ ضيعتِ عمركِ، ونسيتِ نفسكِ، ولم تهتمي بمستقبلكِ، أو أن مستقبلكِ فات، كل ذلك من المنغِّصات التي تجذب الهمَّ والغمَّ على النفس، ومن محبطات العمل؛ كون الإنسان يفعل الخير للناس وخاصة الأم والأقارب، ثم يندم على ذلك، أو يستخدم المن والأذى مع من أحسن إليه؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ﴾ [البقرة: 264].

6- الحياة مشرقة أمامكِ بإذن الله، ولن يخذلكِ الله تعالى؛ فأنتِ بارة بوالدتك، ومن أهل القرآن، فقط عليكِ التوبة والرجوع إلى الله تعالى من هذه الوساوس والظنون، واجعلي ثقتكِ بالله تعالى قوية، وداومي على الطاعات، خاصة توحيد الله، والبعد عن الشركِ أيًّا كان نوعه، والمحافظة على الصلوات الخمس المفروضة، وتزوَّدي من النوافل، وعُودِي إلى المنبع الصافي؛ القرآن الكريم الذي فيه شفاء القلوب، وسعادة النفوس.

7- أما عن إخوانكِ وأخواتك، فكُوني كما عهِدوك، رحيمة عطوفة، تقومين بدور الأم في الرعاية والشفقة والاهتمام، مع توزيع الأدوار على أفراد الأسرة في تحمل المسؤولية؛ بمعنى: قومي بدور القائد للأسرة، مع التعامل الأمثل في مواقف العناد والتهكم، وكلما قابلتِ السيئة بالحسنة، تعلقتْ بكِ القلوب؛ قال تعالى: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34].

8- اختاري الصديقات والزميلات اللاتي يُعنَّكِ على طاعة الله تعالى، ويشاركْنَ في فعل الخير والحث عليه، ولا تُلقِي بالًا لكل من يصد عن الخير، ويُشعِر الإنسان بالندم على ما بذله من تضحية في سبيل الآخرين؛ فإن هذا من أساليب الإحباط والندم.

9- كوني متفائلة بالخير، والإنتاج، وامضي في طموحاتكِ الإيجابية، وحاولي تجاوز أي عقبة سلبية تواجه مسيرتكِ، وضعي لكِ هدفًا محددًا، يمكن تحقيقه بالتدرج، حتى تَصِلي بإذن الله لكل ما تتمنين، في ضوء تعاليم دينكِ وآدابه وأخلاقه.

متمنين لكِ السعادة الدائمة، ولكِ التحية والتقدير.