السؤال:
السلام عليكم أنا نويت حفظ القرآن الكريم لكنني لا استطيع حفظ أي شيء اذا لم أكن أمشي ذهاباً و إياباً فهل يجوز إن اقرأ القرآن وانا أمشي ؟
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فالذي يظهر أنه تجوز قراءة القرآن على جميع الأحوال من القيام والقعود والمشي وغيرها؛ قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } [آل عمران: 190، 191]، فصف – سبحانه - أولي الألباب بأنهم يذكرون الله في جميع أحوالهم، وهذا يشمل جميع أنواع الذكر بالقول والقلب، ويدخل في ذلك قراءة القرآن؛ لأن تِلاوَةَ القُرآن هي أفضَلُ الأذْكار؛ وإنما ينبَغِي لِلقارئ التَّدبُّر والتفكر والخضوع، فهذا هو مقصودُ التلاوة الذي به تَنْشَرِح الصُّدور، وتستنيرُ القُلوب؛ قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].
ومما يدل على جواز القراءة ماشيًا ما رواه مسلم في الصحيح عن أم المؤمنين عائشة، قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه"، وفي الصحيحين عن عائشة، أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض، فيقرأ القرآن"، وفي لفظ عند البخاري: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن ورأسه في حجري وأنا حائض"، وهو ظاهر الدلالة على جواز قراءة القرآن متكئًا، ومضطجعًا، وعلى جنبه.
قال الإمام ابن القيم في "الصواعق المرسلة"(4/ 1480): "قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}[آل عمران191]، فعم بذكره أحوال العباد كلها؛ لأن العبد إما أن يكون قائمًا أو قاعدًا أو مضطجعًا، فأراد منه ذكره في هذه الأحوال كلها". اهـ.
وجاء في كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن" للإمام النووي (ص: 79- 80): "وأما القراءة في الطريق فالمختار أنها جائزة غير مكروهة إذا لم يلته صاحبها، فإن التهى عنها كرهت؛ كما كره النبي صلى الله عليه وسلم القراءة للناعس؛ مخافة من الخلط؛ وروى أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه "أنه كان يقرأ في الطريق"، وروى عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه أذن فيها، قال ابن أبي داود حدثني أبو الربيع قال أخبرنا ابن وهب قال سألت مالكًا عن الرجل يصلي من آخر الليل، فيخرج إلى المسجد وقد بقي من السورة التي كان يقرأ فيها شئ؟ قال ما أعلم القراءة تكون في الطريق، وكره ذلك؛ وهذا إسناد صحيح عن مالك رحمه الله... ولو قرأ قائما أو مضطجعًا أو في فراشه أو على غير ذلك من الأحوال جاز، وله أجر ولكن دون الأول؛ قال الله عز وجل: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190، 191]، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "إني أقرأ القرآن في صلاتي وأقرأ على فراشي"، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "إني لأقرأ حزبي وأنا مضطجعة على السرير". اهـ. مختصرًا.
وعليه، فيجوز لك حفظ القرآن وأنت تمشي ذهاباً و إياباً،، والله أعلم.