السؤال:
السلام عليكم. مؤخرا عرفت أني كنت أقوم ببعض الأخطاء في الصيام وأشعر أنه تقصير مني في العلم.وقررت أن أقضيهن.حنقضي حوالي عشر سنوات.وأرد أن أعرف كيفية القضاء .أعني إذا كان على الفور وعدد الأيم كثيرة . حوالي ٣٠٠ يوم.حيكون صعب لو متواصلات. هل أصوم يوم وأفطر يوم أو أختار أن أصوم أربعة أيام كل أسبوع أوخمسة أم ماذا أفعل؟ أفيدوني بارك الله فيكم
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن من رحمة الله تعالى أن الحكم الشرعي لا يثبت في حق المكلفين إلا بعد البلاغ، وأن من كان جاهلاً ببعض فروع الشريعة أو لم يبلغه حكمها فلا يجب عليه القضاء؛ قال الله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19].
وقد تواترت السنة المطهرة وتظاهرت الأحاديث على عدم وجوب القضاء على الجاهل؛ ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الفاروق عمر وعمار بن ياسر رضي الله عنهما بإعادة الصلاة لما كانا جنبين، فترك عمر الصلاة، تمرغ عمار كما تتمرغ الدابة؛ ظنًا منه أن التراب يصل إلى حيث يصل الماء، وكذلك المسيء في صلاته لم يأمره النبي بإعادة ما صلاه بغير اطمئنان، وإنما أمره فقط بإعادة الصىة التي وقتها باقٍ.
ولم يأمر بالقضاء الذين أفطروا في رمضان وكانوا قد غلطوا في معنى قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [البقرة: 187]؛ كما في الصحيحين عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: لما نزلت: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]، عمدت إلى عقال أسود، وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل، فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك فقال: "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار"، وزاد مسلم "إن وسادتك لعريض، إنما هو سواد الليل، وبياض النهار"
وفيهما عن سهل بن سعد، قال: " أنزلت: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد: {الْفَجْرِ} [البقرة: 187]، فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار"، ولم يأمرهم بالإعادة؛ لعدم فقههم لمعنى الكلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يقرر تلك القاعدة في مجموع الفتاوى (3/ 287-288): "... لم يأمرهم بالقضاء، والمسيء في صلاته لم يأمره بإعادة ما تقدم من الصلوات، والذين صلوا إلى بيت المقدس بمكة والحبشة وغيرهما بعد أن نسخت بالأمر بالصلاة إلى الكعبة، وصاروا يصلون إلى الصخرة حتى بلغهم النسخ، لم يأمرهم بإعادة ما صلوا وإن كان هؤلاء أعذر من غيرهم لتمسكهم بشرع منسوخ... إلى أن قال: والصحيح ما دل عليه القرآن في قوله تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا } [الإسراء: 15] وقوله: { لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أحد أحب إليه العذر من الله؛ من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين"، فالمتأول والجاهل المعذور ليس حكمه حكم المعاند والفاجر، بل قد جعل الله لكل شيء قدرا". اهـ.
وقال أيضًا قال شيخ الإسلام ابن تيمية (21/ 634): "فمن استقرأ ما جاء به الكتاب والسنة، تبين له أن التكليف مشروط بالقدرة على العلم والعمل، فمن كان عاجزا عن أحدهما سقط عنه ما يعجزه ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها؛ ولهذا عذر المجتهد المخطئ لعجزه عن معرفة الحق في تلك المسألة، وهذا بخلاف المفرط المتمكن من فعل ما أمر به، فهذا هو الذي يستحق العقاب". اهـ.
إذا تقرر هذا فلا يجب عليك إعادة الصيام الذي أخطأت فيه بجهل،، والله أعلم.