هل تقتص الزوجة من الزوج الزاني في الآخرة

منذ 9 ساعة 11

السؤال:

السلام عليكم عندي سؤال، كنت قد وقعت في الزنا سابقا و العياذ بالله نسأل الله أن يغفر لي و يردني إليه ردا جميلا، و تبت الى الله بعد ندم شديد ، لكن زوجتي لا تعلم بهذا ، ولا أود إخبارها غير أنني أخاف أن تأتي يوم القيامة فتقتص مني و تأخذ نظير حقها المهضوم عندما خنتها من حسناتي، هل هذا الأمر وارد في الشرع؟ أم أن التوبة من هذا الذنب ليس فيها حق من حقوق العباد؟ جزاكم الله خيرا

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن من سعة رحمة الله بعباده أنه يقبل توبة كل من تاب إليه واجتمعت فيه شروط التوبة الصادقة؛ كما قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}[الشورى: 25]، وقال -سبحانه وتعالى -:{قُلْ يَا عِبَادِيَالَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُالرَّحِيمُ{ [الزمر: 53]، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان:67-70]، وقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور31]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب، كمن لا ذنب له)؛ رواه ابن ماجه.

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها))؛ رواه مسلم من حديث أبي موسى.

وأخرجالترمذيوغيره عن أنس بن مالكقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:((قال الله تعالى:يا ابن آدم، إنك مادعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنانالسماء ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي)).

هذا؛ والواجبُ عليكِ أن تسّتْر على نفسكِ ولا تخبر زوجتك ولا غيرها؛ فالله تعالى ستّير يحب أن يستر على عباده، ويُحبّ من عباده أن يستر بعضُهم على بعض؛ كما روى البُخاريُّ عن عُبادة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال - وحَوْلَهُ عِصابَةٌ من أَصْحَابِهِ -: ((تَعَالوْا بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، ولا تَسْرِقُوا، ولا تَزْنُوا، ولا تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، ولا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، ولا تَعْصُوني في مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، ومَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ في الدُّنْيَا فَهوَ لَهُ كَفَّارَة، ومَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ)).

وروى الحاكم والبيهقيُّ عنِ ابن عمر مرفوعًا: ((اجتنبوا هذه القاذوراتِ التي نَهى الله عنها فمن أَلَمَّ بشيء منها فَلْيَسْتَتِرْ بسِتْرِ الله ولْيَتُبْ إلى الله، فإنَّه مَن يُبْدِ لنا صفحتَه نُقِمْ عليه كتابَ الله)).

قال الحافظ ابنُ حجر في "فتح الباري": "وإذا تَمحَّض حقّ الله فهُو أكرم الأكرَمينَ ورحْمَتُه سبقتْ غضبَه، فلذلك إذا ستَره في الدنيا لم يَفْضَحْهُ في الآخِرة، والذي يُجاهِر يفوته جَميع ذلك"

كما يجب عليك الابتعاد عن أسباب المعصية، وعن كلِّ ما يؤدي إليه، أن تسد على الشيطان كل مجاريه، وتقطع عليه حبائله؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور:21] ، ومن أعظم حبائل الشيطان وطرائقه إطلاق البصر؛ فإن البصر بريد الزنا، والخلوة بالنساء؛ فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما.

ولتكثر من الأعمال الصالحة؛ قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة هود: 114،115].

أما إقصاص الزوجة من زوجها الزاني يوم القيامة فلا أعلم دليلاً صحيحًا يدل على ذلك، بخلاف زنا المرأةِ فهو أشدّ حُرمة وأعظمُ جرمًا؛ لأنه خيانةُ للزوج، وهتك عرضه، وجلب العار، ولا شك أن كل هذا يوجب القصاص في الآخرة إلا لو تابت توبة نصوحًا.

ومما يظهر هذا ويبطل قياس أحدهما على الآخر؛ أن الزوج يملك البضع منها وهي لا تملك البضع منه؛ لأمور:

أن له الزواج عليها من ثلاث نساء، وليس لها الزواج عليه ولا من رجل واحد.

ومنها: أنه يلاعنها إذا زنت، وليس لها أن تلاعنه إذا زنى.

ومنها: أن له الطلاق والعصمة، وليس لها، وليس الخلع كالطلاق، بل جمهور الفقهاء ينصون على أن الرجل لا يجبر على الخلع.

ومنها: أنه يعطيها المهر مقابل البضع، ولا تعطيه شيئًا مقابل بضعه.

ومنها: أن له إنتساب الولد، وليس لها، إلى غير ذلك من الفروق بينها وبينه؛ وليس الذكر كالأنثى.

فهي تدنس عرضه وفراشه بزناها، ولكنه لا يدنس عرضها بزناه،، والله أعلم.

  • 0
  • 0
  • 15