استشارات متعلقة
تاريخ الإضافة: 28/9/2024 ميلادي - 25/3/1446 هجري
الزيارات: 16
♦ الملخص:
أمٌّ لديها ابن يُؤثر العزلة أمام البلايستيشن على الخروج مع أصحابه، أو الجلوس مع أهله؛ فهو في عزلة دائمة، ولم يُجْدِ معه الدواء النفسي نفعًا، وهي تسأل: هل به سِحْرٌ؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم.
عندي ابنٌ مستواه الدراسي متوسط، ويصلِّي، لكنه منعزل في غرفته دائمًا، يلعب البلايستيشن، ولا يخرج مع أصحابه، ولا يجالس إخوته، ويكره والديه ولا يريد رؤيتهم، ذهبنا به إلى دكتور نفسي، فأعطاه علاجًا، استمر عليه تسعة أشهر، لكن بلا جدوى، فأمرنا الطبيب بإيقاف الدواء، يشك الأهل أن به سحرًا، فهل هو مسحور أو مريض نفسيًّا أو عاصٍ لوالديه؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
فنرحب بكم، ونشكر لكم ثقتكم في موقع شبكة الألوكة، ونسأل الله أن نكون عند حسن الظن في تقديم ما يسركم، وما يفيدكم، وأن تجدوا بُغيتكم في هذا الموقع.
ابنكم لديه بذرة صلاح، وتربية طيبة، وجيدة، نشأ عليها، فهو يؤدي الصلاة، وهذا فضل من الله كبيرٌ، ونعمة امتنَّ الله بها عليكم بأن وفَّقه لأداء الصلاة، وهذا يوحي بأن ابنكم - بإذن الله - سيتغير للأحسن؛ لأن لديه هذه البذرةَ؛ وهي الصلاة، وهو الآن يدرس في المرحلة المتوسطة، وليس لديه تعثُّر في دراسته؛ فكونوا على اطمئنان من ذلك، ومحبتكم مزروعة داخل قلب ابنكم، ولكن بعض الإشكاليات قد تكون هي السبب، فمن المهم في هذه المرحلة أن تتقبلوا ابنكم كما هو عليه، على حالته الحالية، لا تنفروا منه، ولا تبعدوا عنه، ولا تغضبوا عليه؛ بسبب ما يقوم به من أعمال، فكل ما يقوم به من عدم محبة لكم قد يكون - والله أعلم - بسبب بعض النصائح المطولة، أو من جرَّاء التعامل القاسي، أو الهجران، أو بسبب ردَّة فعلٍ لفَهمٍ سابق لبعض التصرفات التي ترِد منكم، وربما يمر الآن بمرحلة مراهقة، وارتسم في مُخيِّلته نظرة خاطئة أن من حوله لا يحبونه، أو أنهم لا يسعون إلى مصلحته، وهذا فهمه هو، أو قد يكون بسبب مشاكل متعددة في الأسرة، وربما يكون بسبب عدم الإنفاق عليه في المال، أو بسبب السخرية والاستهزاء، وأن شخصيته حساسة، أو بسبب ظلم وعدم عدل بين الأبناء، أو قد يكون لديه غَيرة ممن حوله بسبب ذلك التمييز، أو أن الأسرة منشغلة عن الابن، ولم تخصص له الوقت الكافيَ، ولم يُحَط ببعض الاهتمام، والسؤال عنه، وسماع مشاكله، والأحداث التي يعيشها، وغير ذلك من الأسباب، حسب معرفتكم، وإحاطتكم بها، فلا يجد أمامه سوى الكره والابتعاد، ولا بد من فهم شخصية الابن، ففهم الشخصية بالإضافة إلى فهم الأسباب السابقة سيقود إلى معرفة المشكلة، وحلها بشكل أفضل، ولعلاج هذا الأمر لا بد من التفكير بطرق ذكية، وتحتاجون إلى وقت، وصبر، حتى تتغير هذه الفكرة لديه، ليعاملكم بشكل أفضل.
والملاحظ أن ابنكم لديه نقطتان لا بد من الربط بينهما لنجد الحل المناسب:
الأولى: أنه يكره والديه، والثانية: أنه ليس لديه أصحاب، ولا يجلس مع إخوانه، فقد يكره والديه لسبب ما، ولكنه قد ينسحب إلى إخوته، أو أصدقائه ليبتعد عن البيت، إذا تطلب الأمر ذلك، وعدم وجود أصدقاء في حياته قد يكون خللًا يحتم زيارة الطبيب ليدرس حالته دراسة تاريخية كاملة، ويعرف سبب مشكلته، حتى وإن عرضتموه سابقًا، وصرف له الطبيب دواءً لم يكن له تأثير واضح، فقد لا يحتاج العلاج، وربما يعطيه الطبيب بعض التدريبات السلوكية، تُبعده عن الانغلاق، وتُعيد إليه الثقة في النفس، والانطلاق من جديد.
ويعتقد الكثير أن ما يُصيبهم من مشاكل بسبب العين والسحر، وهذا حقٌّ، ولكن ليس كل شيء بسبب هذا الأمر، فلا بد أن نعطي الأمور نصابها الصحيح، ونفكر بالسبب، ونفعل الأسباب، ولا نستسلم، ولا يصبح هذا الاتهام (شماعة) نعلِّق عليها كل ما يصيبنا.
ترك الحرية للأبناء بلا مسؤولية يزيد الأمر تعقيدًا، فلا بد من تنظيم الوقت، وإيجاد أوقات محددة للعب، وليس كل اليوم؛ بحيث إنه إذا تعوَّد الابن على اللهو كل حياته، فمن الصعب فطامه عن اللعب، وهذا ما حصل لابنكم؛ حيث إنه يمضي يومه على الحاسوب، والألعاب الإلكترونية، ويكره أن ينصحه أحد، حتى وإن كان من يقوم بنصحه والداه، فبعد فهم أبعاد هذه المشكلة يتم الالتفات إلى حل لها، بالتدريج، وبهدوء، وبدون خلق أي مشاكل أخرى تُعيد الألم، وتتسبب في تعقيد المشكلة، ويجب الحذر من أن هناك من يستغل، ويُغيِّر أخلاق الأبناء خلال هذه الألعاب الإلكترونية، فمن المهم مراقبة ذلك.
وهناك بعض النقاط المهمة للتعامل مع ابنكم في هذه المرحلة؛ وهي كما يلي:
يجب التركيز على السلوك الخاطئ بأنه هو المشكلة، ولا ينصب تركيزكم على الذات التي سبَّبت المشكلة، فإذا ركزتم على نقد الذات لابنكم، فقدتم الثقة في قدراته، وسيتملكه اليأس من توجيهاتكم، وفي المقابل فإن نقد السلوك بهدوء، وحكمة، وباختيار للوقت المناسب مجالٌ رحبٌ للإصلاح، وتعديل تصرفات الابن، وتعديل سلوكه؛ فعلى سبيل المثال: لو أن الابن كسر شيئًا ثمينًا في البيت، فقُمتُم بعقابه، فهل سيُكِنُّ لكم الاحترام؟ هو يرى أنكم أسأتم إليه، ولكن لو تغير الأسلوب بأن احتضنتم هذا الابن، وأوضحتم له أنكم تحبونه، وأن سلوكه فقط هو الخطأ، لأحبكم، وترك السلوك الخاطئ من دون زجر أو ردع.
الانتباه إلى أن تربية الأبناء مسؤولية كبيرة، سواء بالمحاكاة، أو بالتعليم، أو بالمشاهدة، فكونوا قدوةً له في كل شيء.
المدح والثناء له أثر كبير في تأصيل بعض الأفعال، فلا بد من مدح وثناء للابن على الصلاة حتى يتغير؛ فالكلام الطيب، والمدح والثناء يُقرِّب الصلة، ويبعد سوء الظن، ويقرب النفس أكثر، وأكثر.
لا بد من إشباع احتياجات ابنكم النفسية؛ ومن أبرزها: (الحب والحنان، والدعم الإيجابي، والتقدير الآمن، والانتماء)، والبعد عن النقد بسبب عدم محبته وتعامله معكم.
تجنَّبوا الموروث السابق أنكم تربيتم على شيء من القوة والزجر، أو غير ذلك، فما تربينا عليه لا يصلح لأن يتربى عليه غيرنا، حتى وإن رأينا الثمرة فيه أفضل، فلكل مجتمع تربية خاصة به.
عند محادثة الابن من المهم البعد عن كل شيء في أيديكم؛ الجوال أو أي شيء آخر، لا بد أن يكون التركيز منصبًّا على الابن، والتركيز على عينيه، ولا بد أن تكون نظرتكم إليه بشموخ، وبإحساس أن هذا الابن مهم، ولا تُشعروه بالذنب بشكل مستمر.
لا بد من أفكار ذكية بدون عصبية، وبدون انفعال، حتى وإن وُجِدت ردة فعل خاطئة، فلا بد من كظم الغضب، وإذا بدر منكم سلوكٌ ظاهرٌ بعدم الرضا، فسيُلاحِظ هذا الابن كل علامات عدم الرضا، فالأبناء في هذه السن يفسرون ردود الفعل الداخلية، ويقرؤون العلامات الخارجية، والرسول صلى الله عليه وسلم ربَّى الأمة كلها بدون رفع صوت، وبدون انفعالات ظاهرية، فمعالجة المشكلات دائمًا تتم بهدوء.
لا بد من النزول لمستوى تفكيره واحتياجاته، واسألوه عن بعض اهتماماته حتى يتقبلكم بصدر رحب، ويحبكم ويعطيكم من أعماقه، ويفتح قلبه، ويعبر عن حبِّه المكنون لكم.
كلما رأيتم ابنكم "ابتسموا"، وهذه عادة ضعوها في مخيلتكم، ابتسموا عند رؤيته، وعند رؤية كل الأبناء، وغيرهم، فالابتسامة تزرع الحب، وهذا منهج رسولنا عليه الصلاة والسلام، حتى إن كل من رآه أحبه، مما حدا بأحد الصحابة أن يسأله: ((من أحب الناس إليك يا رسول الله؟))، لأنه عندما يراه يبتسم في وجهه، واعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحبه هو فقط، فالابتسامة أجدى، وأوفى، وأزكى، عندما تكون بينكم، وبين أفراد الأسرة جميعًا، فازرعوا الابتسامة في كل مكان في البيت.
لا تقارنوا ابنكم بأي أحد آخر؛ لأن المقارنة قاتلة، ولا تُثبِّطوا من عزيمته، وهذا مهم جدًّا لأنه يؤثر فيه بشكل سلبي، والحذر الحذر من العبارات المحبطة.
بعد فهم ما يدور حول ابنكم، وبعد حلِّ المشكلة حدِّثوه عن برِّ الوالدين، وعن خفض جناح الذل لهما، وعن الأهل لو أنهم أساؤوا إلى أولادهم، فالإساءة دون قصد منهم، وقد يظنون أنهم يحسنون إليهم، وعلى الأولاد التماس الأعذار، وإن استطعتم الاستعانة بشخص حكيم يكلم ابنكم، ويحاول تذكيره بأهمية الأهل وبر الوالدين، فهذا جيد.
دعوة الوالدين لها دور كبير في صلاح الأولاد؛ فلا بد من الإكثار من الدعاء لابنكم بالصلاح؛ يقول سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، فادعوا له في سجودكم، وفي آخر الصلاة، وفي آخر الليل، وبين الأذان والإقامة، ادعوا له بالصلاح في كل وقت، فالدعاء له أثر إيجابي في حل المشكلة، ولا تنسَوا ابنكم من الدعاء بأن يحفظه الله من كل سوء، وأن ينبته نباتًا حسنًا، ومن الأمور الجميلة قَولُ: (أصلح الله قلبك)، وكل دعاء فيه خيرٌ له.
نسأل الله أن يبارك لكم في ابنكم، وأن يجعله صالحًا، وأن ينبته نباتًا حسنًا، وأن يكون بارًّا بوالديه، وأن يهديه إلى طريق الخير، إنه سميع مجيب.