نفسي تعبت وأفكر بالموت لأتخلص مما أعاني

منذ 8 أشهر 142

نفسي تعبت وأفكر بالموت لأتخلص مما أعاني


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/3/2024 ميلادي - 8/9/1445 هجري

الزيارات: 37


السؤال:

الملخص:

فتاة تتلخص معاناتها في عدم زواجها حتى الآن، تشتاق لزوج وأسرة، لكنها لا تجد، تدعو الله كثيرًا، لكنها ترى أنه لا يستجيب، الأمر الذي شككها في نفسها وإيمانها، وهي تخشى أن تقع في الحرام، وتسأل: هل يمكن اتخاذ السبل المؤدية للزواج؟

التفاصيل:

أنا فتاة أعمل جاهدة لمعرفة ديني، وأحاول الحفاظ على الصلاة، لم أكُن أبالي بأمر الزواج وتكوين الأسرة، لكنَّ الأمر تغيَّر فجأة، فلم يعُد ثمة شيء أرغب به أكثر من الزواج، والإنجاب، وتربية أبنائي على طاعة الله، في هدأة الليل أشعر برغبتي في وجود زوج وأسرة، فأبكي، وأدعو الله أن يحقق لي ما أتمنى، لا أريد إلا العفة، ولا أريد أن أصرف مشاعري في الحرام، أستعين بالله، لكن نفسي أحيانًا تأخذني لطريق آخر، فأعاني الضيق والكرب، والهمَّ والحزن، الذي لا يُذهبه قيام الليل، ولا الأذكار، ولا قراءة القرآن، فلِمَ لم يستجب الله لي؟ هل بسبب ذنوب فعلتها أو لأي شي؟ أقول: لعل فيه شرًّا لي، وأسترجع، فماذا يحدث معي؟ لا يطلبني الرجال إلا لعلاقة الحب خارج إطار الزوجية، عندما يفعلون ذلك أشعر أنني عارية ومذمومة، فهم يريدون أن يأخذوا ما يريدون فقط، ثم يتركونني، فلماذا لا يرونني زوجة، مع أن ملابسي محتشمة، وتعاملي محترم؟ هل أنا منافقة لا أؤمن بوجود الله؟ هل يصح أن أرضى عن الله إن استجاب دعائي، وإلا فلا أرضى؟ هل يمكن أن أسْلُكَ السُّبُلَ المختلفة للزواج، مع أنني أريد أن يكون اختيارًا من الله؟ لا أدري، أشعر أني أوجه كل هذه الأمور وحدي، أرجو نصيحتكم، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين؛ أما بعد أختي الكريمة:

فقد جاءت استشارتك بعنوان: (نفسي تعبت وأفكر بالموت لأتخلص مما أعاني)، وعند الاطلاع على مشكلتكِ لم أجد مبررًا لهذا العنوان؛ حيث إن كل ما ذكرتِه ما هو إلا عطاء من الله، ونِعَمٌ كثيرة من نِعَمِهِ سبحانه وتعالى، وأنتِ التي ذكرتِها بل وشعرتِ بها كَنِعَمٍ.

فكونكِ جامعية، فإن لي معكِ حديثًا آخر، وبالمقابل تذكرين الذنوب التي سترها الله عليكِ، فلمَ ذكرتِها؟

لن يغفر لكِ هذا الذنب سوى الله عز وجل، فلِمَ ذكرتِها مع أن الله ستركِ؟

أما بالنسبة لي، سأتعامل مع كل ما ذكرتِه على أنه ذنبٌ، دون الدخول بتفاصيله.

عمركِ حاليًّا ستة وعشرون عامًا، فما زلتِ بعمرٍ يمكِّنكِ من تكوين أسرة، ولا داعي لأن يكون الزواج وتكوين الأسرة هاجسكِ الذي أقلق ليلكِ ونهاركِ.

ففي حديث رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّه الله، ومن يستَغْنِ يُغْنِهِ الله، ومن يتصبَّر يُصبِّره الله، وما أُعطِيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ من الصبر))؛ [رواه البخاري (1469)، كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة].

والشاهد من الحديث: ((ومن يتصبر يصبره الله))، ومن يعالج نفسه بالصبر، فإن الله تعالى يوفِّقه لتحصيل الصبر ويتصف به.

فالدعاء واستدامتكِ عليه مع الصبر أكثر وأجَلُّ وأنفع؛ قال ابن تيمية: "اتفق السلف أن الدعاء من أعظم الأسباب في حصول المطلوب، ودفع المرهوب".

إذًا نعود إلى ما ذكرتِهِ من تقرب إلى الله بالطاعات، واسمحي لي أن أضيف بعض الطاعات الأخرى، التي يمكنها أن تكون مساعدة لكِ.

أولًا: الدعاء بأسماء الله الحسنى، الواجب عليكِ تعلمها، لتُتْقني دعاء المسألة، ودعاء العبادة لكل اسم من أسماء الله عز وجل، فالله عز وجل خلق الكون لحكمة عظيمة، تظهر من خلالها آثار أسمائه، ورحمته، وقدرته، وحكمته وجبروته.

خلق الخلق ليرحمهم وهو غني عز وجل عن جميع مخلوقاته، وجعلهم جميعًا فقراء إليه.

كما أمرنا الله عز وجل أن ندعوه بأسمائه الحسنى فقال: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180].

فهل تعرفتِ على أسمائه، ولجأت إليه ليغفر لكِ ذنبك؟ ولن أدخل في التفاصيل، ولكن فقط أُسلِّط الضوء على أسماء تعينكِ في دعاء المسألة، فالمذنب من العباد إن أراد التوبة، فسيجد الله توابًا رحيمًا، عفوًّا غفورًا، والضعيف المقهور سيجده قويًّا عزيزًا، جبارًا قديرًا، وهكذا تتعرفين على كل اسم من أسمائه، وما يناسبكِ من أسماء تدعين بها دعاء المسألة لتستغفري من هذا الذنب العظيم.

ويمكنكِ تعلم وإتقان كيفية طلب الغفران والرحمة من خلال الكثير من الآيات: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199]، و﴿ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ﴾ [هود: 90]، وعند البخاري من حديث عبدالله بن عمرو أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: علِّمني دعاء أدعو به في صلاتي قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم))؛ [البخاري في باب الدعاء قبل السلام، حديث رقم (832)].

الغفور والسِّتِّير سبحانه هو يستر العيوب ويغفر الذنوب، ومهما بلغ الذنب، أو تكرر من العبد، وأراد الرجوع إلى الرب، فإن باب المغفرة مفتوح في كل وقت، ما لم تغرغر النفس، أو تطلع الشمس من مغربها.

وقد قال الإمام ابن باز كعلاج لهذا الذنب إنما هو بالترك والحذر والزواج، أو يصوم إن كان عاجزًا للرجل، وأظن أن الأفضل لكِ والمفيد جدًّا هو الاستعانة بالصوم من أجل الابتعاد كليًّا عن هذا الذنب.

المهم جدًّا هو الترك والاستغفار الدائم.

أما بالنسبة للزواج، فالدعاء بأن يرزقكِ الله زوجًا صالحًا في قيام الليل، مع التذكير الدائم لكِ أن هذا الأمر مقدَّر وكائن، ومسطور في اللوح المحفوظ قبل خلق الزمان والمكان، بخمسين ألف عام، حين قال للقلم: ((اكتب، قال: ما أكتب؟ اكتب القدر ما كان وما هو كائن إلى الأبد))؛ [رواه الترمذي حديث رقم (458 /4)].

كما عليكِ بالإيمان المطلق بالقضاء والقدر خيره وشره، فكل ما كان وما سيكون، ولو كان كيف يكون، علِمه الله عز وجل، ويعلم الموجود والمعدوم، والممكن والمستحيل، ويعلم سركم وجهركم في الأرض، غني عن جميع الأشياء، قادر لا يعجزه شيء، عالم لا يخفى عليه شيء؛ [القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج6، ص390 بتصرف].

وأيضًا عليكِ بهذا الدعاء: ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص: 24]، دعاء موسى عليه السلام حين هروبه من مصر، وقدومه إلى مدين، توسَّل الله بأسمائه وصفاته ونِعَمِهِ، وتوسَّل إليه بضعفه وعجزه، وفقره وعدم قدرته على تحصيل مصالحه، ودفع الأضرار عن نفسه؛ لِما في ذلك من إظهار التضرُّع والْمَسْكَنَةِ، والافتقار لله عز وجل، الذي هو حقيقة كل عبد؛ [تفسير المنان ص132].

سؤالي لكِ: هل أنتِ محجبة؟

وأيضًا كيف تقابلين الرجال؟

والأدهى والأمَرُّ أن مطلب هؤلاء الرجال مجرد علاقة لما يسمونه "حبًّا"، فهل هذا جائز في شرع رب العالمين؟

فالمرأة العفيفة الطاهرة الشريفة يكفيها سمعتها ليستدل الرجل الصالح عليها.

كلامكِ هذا مناقض للكلام السابق الذي ذكرتِه عن تقربكِ إلى الله، والشرع حدد العلاقة بين الرجل والمرأة وبيَّن حدودها، وبيَّن كل صغيرة وكبيرة من النظر والكلام، إلى أن تقعي فريسة للذئاب، فاحمدي الله عز وجل أن ستركِ وحفِظكِ من هؤلاء الرجال، وارضَي بما قسم الله لكِ؛ فالرضا بما قسم الله لكِ، تكوني أغنى الناس.

فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يُعلم من يعمل بهن؟ فقال أبو هريرة رضي الله عنه قلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدَّ خمسًا، وقال: اتقِ المحارم تكن أعبدَ الناس، وارضَ بما قسم الله لكِ تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جاركِ تكن مؤمنًا، وأحب للناس ما تحب لنفسكِ تكن مسلمًا، ولا تُكْثِر الضحكِ؛ فإن كثرة الضحكِ تُميت القلب))؛ [رواه الترمذي 2305].

وصدِّقيني سوف تحاسبين على كل كلمة ذكرتِها؛ عن تردادكِ للموت منتحرة، وكأن كلمة انتحار تعتبرينها فقط كلمة تعبت من حياتكِ لتفكري بالموت، لتزيدي بلاءكِ بالذنوب والمعاصي ذنب قتل النفس.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتل نفسه بحديدة في يده يتوجَّأ – يطعن - بها بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن شرب سمًّا فقتل نفسه فهو يحتسَّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدًا فيها أبدًا))؛ [أخرجه البخاري (5778)، ومسلم (109)].

فحفظ النفس من مقاصد الشريعة الإسلامية، وقتل النفس بغير حق من أكبر الكبائر.

فالمرأة العفيفة الطاهرة الشريفة هي مبتغى الرجل الصالح لمن وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فاظفر بذات الدين تربت يداك))، فهذه صفات المرأة المسلمة الشريفة العفيفة الطاهرة حسنة الأخلاق.

وأهم شيء هو الحفاظ على دينها، فعليكِ أن تتعلمي هذه الصفات، والعمل بها، لتكوني راضية بما قسمه الله لكِ.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.