نشأت في أسرة مفككة فماذا أفعل؟

منذ 1 سنة 304

نشأت في أسرة مفككة فماذا أفعل؟


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/3/2023 ميلادي - 8/8/1444 هجري

الزيارات: 25



السؤال:

الملخص:

سائل يسأل عن علاج لما هو فيه من ضياع وموبقات؛ بسبب نشأته في أسرته المفككة؛ من أم لا تصلي، وأب مريض نفسيًّا، وأخ سكير.

التفاصيل:

السلام عليكم.

وُلدت خجولًا؛ حيث نشأت في أسرة مفككة؛ من أمٍّ لم تضع جبهتها للصلاة يومًا، وأبٍ ينتقل من مستشفى الأمراض العقلية والنفسية إلى الشِّجار والسبِّ والقذف طوال الليل، لا ينقطع عن الكلام الساقط إلى بزوغ الفجر، لم أعرف نومًا هادئًا ألبتة، الأم تضمني بجانبها كدرعٍ واقٍ من هجوم مرتقب لأبٍ لا ينقطع عن الصراخ أمام طفل صغير، يتجرع هول الخوف المزمن، والرهاب الشديد، هكذا عشتُ الطفولة، وترعرعت في بيت أخٍ سكيرٍ، مريضٍ بنفس المرض الذي تلقحه من أب وأم؛ يعاقر الشراب؛ ظنًّا منه أنه العلاج الطبيعي لِما يعانيه جراء حياة الضنك التي عاشها في أسرة منحطة؛ فأنا ضحيةً لقدرٍ محتوم، أنتظر قدومه، وفي داخلي أسأل نفسي: لماذا وُلدتُ أتكبد أصنافًا من المرض الخبيث؟ سؤال يتطلب بحثًا عميقًا، طبعًا لم أنجُ من لعنة القدر، أنا الآن أبلغ من العمر عتيًّا، حاملًا جميع الموبقات، أناشدكم الله هلا وصفتم لي دواء جديدًا لعلاج نقص الثقة، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فملخص مشكلتك هو:

١- تقول: إنك وُلدت خجولًا، وعشت في أسرة مفككة مع أب مريض نفسيًّا وعقليًّا، وعدواني على والدتك لفظيًّا وجسديًّا، ومع أم لا تصلي أبدًا، وأخ عربيد مدمن خمر، مريض بنفس أمراض الأب.

٢- ونتج عن ذلك أن أصبح عندك خوف ورهاب شديد.

٣- وتسأل: لماذا ولدت تتكبد أصنافًا من الأمراض؟

٤- وقلت كلمة محرمة؛ وهي: (لم أنجُ من لعنة القدر).

٥- ثم تقول: إنك تبلغ من العمر عتيًّا حاملًا جميع الموبقات، وهذه الكلمة أيضًا تعبير منك عن التسخُّط المحرم عليك.

٦- وأخيرًا تسأل عن علاج جديد لنقص الثقة، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: يشم القارئ لرسالتك تسخطًا فظيعًا وجزعًا شديدًا مما أصابك من مصائب، قد ولَّت أدبارها، وبقيت بعض آثارها، والسبب في التسخط وضعف الصبر هو الإيمان بالقدر، وضعف الصبر عليه.

فالإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان لا يتم إيمان المؤمن بدونه؛ لقوله سبحانه: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].

وللحديث الآتي: قَالَ الملك جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: ((فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: صَدَقْت...))؛ [رواه مسلم].

والصبر على الأقدار واجب، والتسخط ينافي الصبر، ثم إن أجر الصابر عظيم جدًّا عند الله سبحانه؛ لقوله عز وجل: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].

ثانيًا: كل ما أصابك سابقًا وحاليًّا لك أجر في الصبر عليه؛ تأمل كثيرًا الحديث الآتي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شَكَرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صَبَرَ، فكان خيرًا له))؛ [رواه مسلم].

ثالثًا: وتأكَّد أن كل ما أصابك، وإن كان ظاهره شرًّا محضًا، إلا أنه لا يعدم الخير فيه؛ فالله عز وجل حكيم لا يقدر شيئًا إلا لحِكَمٍ، علِمها مَن علِمها، وجهِلها مَن جهِلها؛ ويدل لذلك قوله سبحانه: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].

رابعًا: إذا آمنت بكل ما سبق، فالنتيجة الحتمية أنك ستطرح نهائيًّا التسخط والجزع، وستبدأ حياة جديدة، ملؤها الصبر والتفاؤل وقوة الثقة بالله سبحانه.

خامسًا: مما يمنحك قوة الثقة بالنفس تذكُّر أن الله سبحانه هو المالك وحده لكل شيء، القادر الذي لا يعجزه شيء، مهما عظم عند الناس؛ لقوله عز وجل: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الملك: 1].

ومن ثَمَّ تحقيق التوكل على الله عز وجل في جلب كل خير، ودفع كل شر؛ لقوله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].

سادسًا: يبدو أنك عشت في بيئة مزعزعة إيمانيًّا؛ لذا فمن الضروري العمل بعزم على تقوية إيمانك، ومحبتك لله سبحانه، والتقوِّي به عز وجل، ومما يعينك على ذلك الآتي:

المحافظة على الواجبات الشرعية خاصة:

1- الصلاة في أوقاتها بالمساجد.

2- الإكثار من تلاوة القرآن.

3- العلم النافع.

4- الدعاء.

5- مجالسة الصالحين.

6- تذكر الموت والاستعداد له بكثرة التوبة والاستغفار.

7- مع الحرص على اجتناب المعاصي، خاصة الكبائر، والاستغفار مما سبق منها.

8- تذكر نِعَمِ الله عليك، وأعظمها نعمة الإسلام والصحة، ووجوب شكر المنعم سبحانه؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الحجرات: 7، 8].

9- هجر جلساء السوء وكل ما قد يعيدك لمربع المعاصي من قنوات أو مواقع إنترنت وغيرها.

سابعًا: قولك: (لم أنجُ من لعنة القدر) لا يجوز لك، ويجب عليك التوبة منه؛ لأن القدر خيره وشره من أمر الله لحكم يعلمها سبحانه؛ قال تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35]، ومما يدل على النهي عنه الحديث التالي في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يرويه عن ربه عز وجل: ((يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار))، وفي رواية: ((لا تسبوا الدهر فإني أنا الدهر))، وفي رواية: ((لا يقُلِ ابن آدم: يا خيبة الدهر؛ فإني أنا الدهر، أرسل الليل والنهار، فإذا شئت قبضتهما)).

ثامنًا: الخلاصة: اترك عنك نهائيًّا تذكر الماضي والأسى عليه، والتسخط مما حصل فيه، فلن يزيدك إلا آلامًا نفسية موجعة، وتحطيمًا لمعنوياتك، وابدأ حياتك من جديد، واثقًا بالله سبحانه، متوكلًا عليه، راضيًا بما قسم لك.

حفظك الله، ورزقك قوة الإيمان، وحلاوته، وأعاذك من التسخط على الأقدار.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.