"ملابس البركة" تقي فقراء غزة البرد

منذ 2 سنوات 235

منذ دخول فصل الخريف في قطاع غزة، يلح صغار حسن عليه لشراء ملابس تقيهم البرد، لكن الأب العاطل من العمل منذ 10 سنوات يعيش تحت خط الفقر ولا يقوى على تلبية احتياجات أسرته. و"التأجيل للأسبوع المقبل" هو العذر الوحيد الذي يستخدمه الرجل لتسويف طلب أطفاله المتكرر.

إلا أن محل "ملابس البركة" كان الحل الذي أغاث حسن وأطفاله، من وقوع كارثة جديدة في بيته، بعدما توفي في يناير (كانون الثاني) أحد أبنائه بعمر شهر واحد نتيجة البرد الشديد الذي واجهه مع أسرته في المنزل غير الصالح للسكن.

وفيات بسبب البرد

كان حسن يمشي خطوة ويعود أخرى، أثناء توجهه إلى محل "ملابس البركة" الذي يوفر ملابس الشتاء مجاناً لسكان غزة. وما إن وطأت قدماه المكان حتى تنفس الصعداء، إنها المرة الأولى منذ سنوات طويلة التي سيتمكن فيها أطفاله من اقتناء ما يناسبهم من ملابس من دون حرج.

يروي "على مدار الشهور الماضية، كان يراودني شعور بأنني في هذا الشتاء سأفقد طفلاً آخر بسبب البرد".

خلال الشتاء الماضي، توفي ثلاثة أطفال في غزة نتيجة البرد الشديد، بعدما عجزت أسرهم عن تأمين أي وسائل تدفئة بسبب الفقر. وشكلت وفاة ابن حسن صدمة كبيرة لسكان غزة في ذلك الوقت.

وفي محاولة لتفادي تكرار ذلك، وإغاثة فقراء غزة من البرد، عمل محمود كلخ لإطلاق مبادرة مجتمعية تحت اسم "ملابس البركة"، تقوم على مبدأ جمع ملابس الشتاء وتوزيعها مجاناً على المحتاجين.

مبادرة مجتمعية

بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن 80 في المئة من إجمالي أسر غزة تعتمد على المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الدولية بسبب الفقر وارتفاع معدلات البطالة وعوامل أخرى.

يقول كلخ "في الشتاء تزداد حاجة المواطنين إلى كسوة جديدة، لذلك أطلقنا المبادرة وبدأنا استقبال الملابس الفائضة عن حاجة الناس المتبرعة، وفرزها وغسلها وتجهيزها للعرض بشكل جميل يتناسب مع إنسانية سكان غزة".

داخل محل صغير يشبه إلى حد كبير متاجر الملابس في غزة، تُعرض الملابس ليختار الفقراء منها ما يتناسب مع احتياجاتهم في فصل الشتاء.

أكثر من ملابس

يوضح كلخ أن "معظم الملابس المعروضة مستخدمة، لكنها بحالة ممتازة، إذ يقوم الفريق المتطوع بفرزها واستبعاد غير الصالح منها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ليست ملابس الشتاء وحدها التي يعرضها كلخ في محل "ملابس البركة"، بل الأحذية والأغطية والفراش، وكل ما يمكن أن يكون سبب سعادة للأسر الفقيرة في غزة المحاصرة.

ووفقاً لبيانات مركز الإحصاء الفلسطيني (مؤسسة حكومية)، فإن مؤشرات الفقر (الدخل اليومي أقل من خمسة دولارات) في غزة وصلت إلى 54 في المئة بين إجمالي السكان، وبعدد يصل إلى 1.5 مليون نسمة من أصل 2.3 مليون فرد يعيش في القطاع. فيما تخطت مؤشرات الفقر المدقع (الدخل اليومي دولارين) معدل 34 في المئة.

مؤشرات الفقر هذه التي تؤكدها تقارير الأمم المتحدة، جعلت سكان غزة بحاجة إلى المساعدة، ونتيجة لذلك بات الإقبال على مبادرة "ملابس البركة" كبيراً جداً.

تكافل

يومياً يؤم محل "ملابس البركة" ما يزيد على 70 أسرة يلازمها الفقر منذ زمن، فيما يخرج من المحل أكثر من ألف قطعة ملابس. ويوضح كلخ أن "الإقبال الكبير هذا سببه أن المحتاجين وحدهم وبأيديهم يبحثون عما يسترون به أجسادهم من برد الشتاء".

ويستقبل المحل الفقراء من دون تسجيل مسبق أو تعقيدات بيروقراطية أو إجراء زيارات لدراسة أوضاع طالبي المساعدة. وقد اختارت المبادرة هذه التقنية لكسر حاجز الخجل لدى الأسر المتعففة وحفظ كرامة أفرادها ومنحهم حق اختيار الملابس وفق ما هو معروض، من دون أي حرج.

ويختم كلخ "التكافل مهم جداً في غزة الفقيرة، ونحن نتعامل مع إنسان، وعلينا احترام كرامته، خصوصاً أن معظم سكان القطاع باتوا فقراء".