♦ الملخص:
امرأة متزوجة منذ سبعة عشر عامًا، وتسكن مع جَدَّتِها في نفس البيت، وجَدَّتُها تفرض عليها أن تقوم بأعمال منزلها، وتسيء معاملتها، ثم إن أمها وأختها أَتَيَا للسكنى مع جدتها، وفرضوا عليها أن تقوم بأعمال منزلهم أيضًا، وهذا الأمر يجعلها تقصر في حق زوجها وبناتها، ولا تستطيع الاستقرار في منزلها، وتسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
تزوجتُ منذ سبعة عشر عامًا، أمٌّ لثلاث بنات، كُبراهنَّ عمرها أربعة عشر عامًا، أسكن بيتًا واحدًا مع جدتي لأمي، أنا في الدور الثالث، وهي في الدور الأول، تفرض عليَّ منذ تزوجت أن أنزل إليها، وأقوم بأعمال منزلها، مع أنها كانت مخدومة، ولم تكن محتاجة إليَّ، وبعد عشر سنوات مات والدي، وانتقلت أمي وأختي غير المتزوجة للعيش مع جدتي، ومع قدرتهن على أعمال المنزل، يفرضْنَ عليَّ أن أكون معهم في أعمال منزلهن، فأنا أنزل إليهن وقت الظهيرة، ولا تسمحن لي بالعودة إلى منزلي إلا وقت ذهابهن إلى النوم، ولا يصح لي أن أستخدم المنزل كما أريد؛ فهن يَرَيْنَ أنه ليس منزلي، وصحتي الآن لم تعد كما في السابق، فلا أستطيع أن أتحمَّل منزلهن ومنزلي، لكن لا أحد يصدقني، بناتي يساعدنني في أعمال المنزل، لكن بدأنَ يتذمَّرْنَ، ويطالبنني بالاستقرار في منزلي، ومع كل تلك الخدمة، فقد أساءت جدتي إليَّ أيما إساءة؛ من إهانتها لي، وكلامها عني بالسوء عند الجيران، واتهامي بالتقصير في حقها، وإهمالها، والآن ألقى إهانات من أختي، أريد الاستقرار في منزلي ولا أدري كيف أفعل ذلك؛ فأنا أستحيي من خالي الذي هو خارج البلاد، ويرسل إليَّ الهدايا، والنقود؛ كي أعتني بجدتي وأمي، أمي أيضًا تعاملني باحترام، لكن لا بد أن تعلم أنني مسؤولة عن أسرة، وأنا مقصرة في واجباتي تجاه زوجي وبناتي، أرجو توجيهكم، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فالمسلم مأمورٌ بالتقرب إلى الله تعالى بصلة الأرحام والإحسان إليهم؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى خَلَقَ الخَلْقَ، حتى إذا فرَغ منهم، قامت الرِّحَمُ، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أمَا ترضَين أن أصِلَ من وَصَلَكِ، وأقطع من قطعكِ؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا إن شئتم: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23]))؛ [متفق عليه].
ولا شك أن المسلم مأجورٌ فيما يُبتلَى به في هذه الحياة، والصبر كذلك أجره عظيم عند الله تعالى، فكيف إذا كان الأذى والصبر عليه في سبيل طاعة الله تعالى والقيام بأمره؟
ولا يفوتكِ أن الجَدَّةَ في هذه المرحلة من العمر تحتاج إلى عناية ومداراة لخاطرها، والوالدة كذلك حقها عليكِ البر والإحسان؛ قال الله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23].
وقد يتغير عليكِ أقرب الناس إليكِ، وربما عاملوكِ بجفاء وقسوة، فلا بد من الصبر على أذاهم، ثم وضع الحدود في التعامل.
وهناك أولويات في الحقوق، ولا يصح أن يطغى حقٌّ على آخر، فلا يجوز الإخلال بحقوق الأبناء والزوج كذلك.
ولا بد أن نسلُكَ مسلك الاتزان في الحياة، وأن نتعامل بمرونة، وليس من الحكمة أن نضع أنفسنا بين خيارين؛ إما أن نستمر بنفس الدرجة في البذل والعطاء، أو أن نُحْجِمَ بالكلية.
وأنصحكِ بالاستعانة بالله تعالى أولًا وسؤاله التوفيقَ، ثم مواصلة البذل والعطاء، والبر والإحسان، ولكن على وَفْقِ استطاعتكِ وقدرتكِ، وبالشكل الذي يعينكِ على الاستمرارية، ولا يؤثر في حقوق زوجكِ وأبنائكِ، وقبل ذلك حق نفسكِ عليكِ؛ بعدم تحميلها فوق طاقتها.
وما ذكرت من أذًى، فإنه يحصل في كثير من العلاقات الاجتماعية؛ فلو لم نتحلَّ بالصبر، ونتجاوز عما يمكن التجاوز عنه، لَما اجتمع أحد إلى أحد؛ عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم))؛ [رواه أحمد وابن ماجه].
أسأل الله تعالى للجميع التوفيق والسعادة، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.