كيف نتعامل مع أزمة فقدان الوظيفة؟

منذ 2 سنوات 224

طالع الناس في الأيام الماضية أنباء عن فقد 50 في المئة من العاملين في "تويتر" وظائفهم دفعة واحدة بعد استحواذ الملياردير الأميركي إيلون ماسك عليها، وبعدها أعلنت مجموعة "ميتا" المالكة لـ"فيسبوك" و"إنستغرام" تسريح أكثر من 11 ألفاً من موظفيها بما يعادل 13 في المئة من العاملين، وفي وقت سابق أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية وقف خدماتها الإذاعية المقدمة بعدد من اللغات من بينها العربية، مما أدى إلى فقد كثير من العاملين فيها وظائفهم.

الأحداث السابقة تخص شركات تعد الكبرى في العالم، وأسماؤها علامة يعرفها كل سكان الأرض تقريباً، فكيف الحال مع الشركات الصغيرة والناشئة التي تصارع من أجل البقاء والاستمرار؟ وماذا يفعل الموظف الذي يفقد وظيفته؟

السنوات الأخيرة شهدت أزمات متلاحقة عانى منها العالم كله بدأت بإعلان جائحة كورونا مروراً بأزمات اقتصادية متلاحقة وانتهاء بالحرب التي اشتعلت بين روسيا وأوكرانيا وامتد صداها إلى العالم أجمع، وكان واحد من أهم انعكاساتها هو فقد ملايين البشر وظائفهم أو في أقل تقدير تقليص رواتبهم، بخاصة في بعض القطاعات التي تضررت من الأحداث السابقة بشكل مباشر، فالحياة المهنية أصبحت مهددة ويعيش قطاع كبير من الناس في قلق من أن يتم الاستغناء عنهم أو أن تغلق المؤسسات التي يعملون فيها لعدم تمكنها من الصمود في وجه الأزمة.

سوق العمل

كانت منظمة العمل الدولية قد خفضت توقعاتها لتعافي سوق العمل في عام 2022، حيث أصدرت تقرير "الاستخدام والآفاق الاجتماعية في العالم: اتجاهات 2022"، الذي حذر من حدوث انتعاش بطيء وغير مؤكد، حيث لا يزال تأثير جائحة كورونا كبيراً في أسواق العمل العالمية.

وطبقاً للتقرير توقعت المنظمة عجزاً عالمياً في ساعات العمل يعادل 52 مليون وظيفة بدوام كامل مقارنة بالربع الرابع من عام 2019، وكان التوقع السنوي السابق الذي صدر في مايو (أيار) 2021 توقع عجزاً قدره 26 مليون وظيفة بدوام كامل خلال عام، وفي حين أن التقرير الأخير يمثل تحسناً مقارنة بالوضع في عام 2021، إلا أنه لا يزال أقل بنسبة اثنين في المئة تقريباً من عدد ساعات العمل العالمية قبل الجائحة.

ومن المتوقع أن تبقى البطالة العالمية أعلى من مستويات ما قبل "كوفيد-19" حتى عام 2023 في الأقل، ويقدر التقرير مستوى عام 2022 بـ207 ملايين شخص يعاني الأزمة، مقارنة بـ186 مليوناً في عام 2019.

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

أما في ما يتعلق بالتقديرات لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2022، فتتوقع منظمة العمل الدولية عجزاً في ساعات العمل بنسبة 2.7 في المئة مقارنة بالربع الرابع من عام 2019، ما يعادل 3.7 مليون وظيفة بدوام كامل، وكانت التقديرات السابقة لشهر مايو 2021 قد توقعت عجزاً في ساعات العمل في المنطقة بنسبة 0.9 في المئة في عام 2022.

يحذر التقرير الصادر عن منظمة العمل الدولية من الاختلافات الكبيرة في تأثير الأزمة في العمال والبلدان المختلفة، مما ينتج عنه تعميق التفاوتات داخل البلدان وفي ما بينها، وإضعاف النسيج الاقتصادي والمالي والاجتماعي في كل الدول تقريباً، بغض النظر عن وضعها التنموي، ومن المرجح أن يتطلب إصلاح هذا الضرر سنوات طويلة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب طويلة المدى على المشاركة في القوى العاملة، ودخل الأسرة، وعلى التماسك الاجتماعي وربما السياسي أيضاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول مدير عام منظمة العمل الدولية غاي رايدر في بيان صحافي "بعد مرور عامين على هذه الأزمة ما زالت الآفاق هشة والطريق إلى التعافي بطيئاً وغير مؤكد، بدأنا نشاهد أضراراً قد تكون دائمة تلحق بأسواق العمل، إلى جانب زيادة في نسب الفقر وعدم المساواة، وقد اضطر عديد من العمال إلى التوجه إلى أنواع جديدة من العمل".

وتابع "لا يمكن أن يكون هناك انتعاش حقيقي من هذا الوباء من دون تعافي سوق العمل على نطاق واسع، ولكي يكون هذا الانتعاش مستداماً يجب أن يستند إلى مبادئ العمل اللائق بما في ذلك الصحة والسلامة والإنصاف والحماية الاجتماعية والحوار الاجتماعي".

تجارب حقيقية

يعاني الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم مشكلات متعددة مادية ونفسية تؤثر في كامل حياتهم في ظل التزامات لا تتوقف ومستقبل، وفي الوقت ذاته يعاني أصحاب الشركات وبخاصة الصغيرة محاولاتهم المستميتة للصمود في وجه الأزمة الممتدة، فصاحب العمل والموظف كلاهما وجهان لعملة واحدة هي الظروف التي فرضت على الجميع وإن كان كل منهما يعاني بشكل مختلف.

يقول سامح (35 سنة) وهو مصري يعمل في القطاع السياحي "كان الحال جيداً حتى ظهور فيروس كورونا وما صاحبه من إجراءات نتج عنها تسريحي وكثير غيري من عملنا في الشركة التي لم تعد قادرة على الصمود، ومع بداية انفراج الأزمة التحقت بشركة أخرى لكن المصادفة أنها كانت تعتمد بشكل رئيس على السياحة القادمة من روسيا وأوكرانيا فانخفضت السياحة القادمة منهما كثيراً". ويضيف "أعاني منذ عامين ولا أعرف كيف ستنتهي هذه الأوضاع، فالالتزامات والفواتير ومصاريف الأطفال لن تنتظر ونسير في طريق مجهول ونأمل أن يشهد الموسم السياحي القادم زيادة في تدفق السائحين".

بينما يقول عدنان وهو سوري يعمل بالمجال التجاري، إن "بيئة العمل في السنوات الأخيرة أصبحت تشكل أزمة كبرى، فمنذ بداية جائحة كورونا والمعاناة لا تنتهي ويعيش الناس في قلق لأنه لا أحد يعلم ماذا سيحدث غداً، وتأثر عملي كثيراً بالأحداث لارتباطه بالاستيراد والتجارة ولا أعلم ما البديل، وكثير من النصائح نسمعها ونقرأها من خبراء لكن كل شيء يحتاج إلى وقت طويل حتى يعود إلى وضعه، وحتى إذا فكرت في تغيير مساري المهني فسيحتاج هذا إلى وقت وجهد طويل والالتزامات لن تنتظر، أقف حائراً في اللحظة الحالية ولا أعرف ما الحل".

كيف نتعامل مع أزمة فقد الوظيفة؟

عندما يفقد الشخص وظيفته لأي سبب فلا بد أن يعيد حساباته ويبدأ في التفكير بالمستقبل مع الاستفادة مما مضى، لكن كثيرين من الناس يلتبس عليهم الأمر ويحدث لهم حالة من الارتباك تجعلهم لا يستطيعون اتخاذ قرارات سليمة للخروج من الأزمة بأقل الخسائر الممكنة.

وعن كيفية مواجهة أزمة فقد الوظيفة يقول المرشد المهني حاتم قناوي لـ"اندبندنت عربية"، إنه "في البداية لا بد من تقبل المشاعر الإنسانية مثل الخوف والقلق والتوتر، فهي أمر طبيعي خصوصاً في ظل غموض الرؤية وعدم معرفة متى يمكن أن تتحسن الأحوال، ومن ثم العمل على اتخاذ خطوات إيجابية مثل زيادة المهارات وعدم الاعتماد على المهارات الحالية فقط، وأن يتحول إلى موظف متعدد المهام One Man Crew فهذا أصبح من سمات المرحلة الحالية وهذا النوع من الموظفين تتمسك به الشركات لتعدد مهاراته".

ويضيف "يجب الحرص على متابعة المنشورات التي تعرض أنماط العمل الجديدة المتوقعة في المستقبل وهي أصبحت متاحة بشكل كبير، فكلما كان الشخص على علم بها وبتفاصيلها منحه ذلك ميزة نسبية على اعتبار أنه يتوقع الخطوة المقبلة ومستعد لها، وأيضاً محاولة تنويع مصادر الدخل، فالتطور التكنولوجي والتغييرات الحياتية جعلا أنماط العمل تأخذ أشكالاً جديدة لم تكن معروفة من قبل، فليس كل العمل الآن بدوام لساعات محددة وإنما أصبح هناك كثير من الفرص في العمل الحر Freelancing من خلال كثير من المواقع التي يمكن الاطلاع على الفرص المتاحة فيها".

الاستفادة من تجارب الآخرين

التواصل مع آخرين سواء في مجال العمل للاستفادة من خبراتهم أو في العلاقات الشخصية لتقديم الدعم النفسي والمعنوي هو عامل من العوامل المهمة في إطار السعي إلى تجاوز أزمة فقد الوظيفة. يقول قناوي "زيادة قاعدة العلاقات وفتح مجالات للتواصل من الأمور المهمة، فشبكة العلاقات هي قوة يستطيع من خلالها الشخص الوصول إلى كثير من الفرص بالترشيحات والدعم".

وتابع "ومن المهم أيضاً الاستفادة من تجارب الآخرين والتعرف إلى كيفية تجاوزهم الأزمة وأهم التحديات التي واجهتهم، وبجانب كل ما سبق فإن الدعم النفسي هو واحد من أهم الأشياء التي يجب البحث عمن يستطيع تقديمها في الدوائر المحيطة".

الذكاء الاصطناعي ومستقبل الوظائف

الواقع الصعب الذي يعايشه الناس في ما يتعلق بالوظائف لا يقتصر فقط على الأزمات لكنه يمتد ليشمل التطور التكنولوجي المتسارع وانتشار تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، الذي لا بد من مواكبته باعتباره قادماً لا محالة وسيغير من شكل الوظائف وطبيعتها في العالم كله.

وأشارت تقارير مختلفة إلى هذا الأمر في السنوات الأخيرة، ففي عام 2017 صدر تقرير عن شركة "ديل" DELL  يشير إلى أن 85 في المئة من الوظائف التي ستكون موجودة عام 2030 لم تكتشف بعد بسبب التطور الكبير والاختلاف الجذري الذي ستشهده السنوات المقبلة.

تقرير آخر صادر عن منتدى الاقتصاد العالمي في أكتوبر (تشرين الأول) 2020 أشار إلى أنه ما بين 44 و50 في المئة من المهارات التي يمتلكها الناس وتؤهلهم لوظائف معينة بحاجة إلى التطوير والتغيير بحلول عام 2025، لأنه سيحدث تحول كبير في طبيعة الوظائف. تقرير آخر صادر عن "بيزنس إنسايدر" يوضح أهم 30 وظيفة ستكون مطلوبة خلال السنوات العشر المقبلة استناداً إلى انتشار تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والروبوت.

وعن التطور التكنولوجي وتأثيره في الوظائف يقول قناوي "تأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الوظائف قادم لا محالة، وهذا الأمر يحتاج إلى التعامل معه باستراتيجيات مختلفة، فمن ناحية يجب أن تتوسع الدول في التخصصات المتعلقة بهذه المجالات في الجامعات المختلفة لتأهيل الطلبة لحاجات سوق العمل، ومن ناحية أخرى بالنسبة إلى القطاعات الكبيرة من الناس التي تعمل بالفعل فهم بحاجة إلى التطوير من أنفسهم في ما يتعلق بطبيعة وظائفهم وكيف ستكون في ظل انتشار التطور التكنولوجي المتسارع".