كيف أتعامل مع اللف والدوران؟

منذ 1 سنة 448

كيف أتعامل مع اللف والدوران؟


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/12/2022 ميلادي - 2/6/1444 هجري

الزيارات: 20



السؤال:

الملخص:

شاب يحب الصراحة والوضوح في الكلام، ويريد طريقة للتعامل مع من يتبعون أسلوب "اللف والدوران" في الكلام.

التفاصيل:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشكلتي أني أحب الصراحة والمواجهة والوضوح، ولا أحب أسلوب اللؤم والخبث، واللف والدوران، لكن يعترضني في حياتي أناس يستعملون هذا الأسلوب؛ فيلقون لومهم ونقدهم في ثنايا الأحاديث؛ تعريضًا بأمر لم يعجبهم مني، أو حدث سابق واجهتهم به، أو غير ذلك، فيتحيَّنون الفرص لإلقاء الشراك والطُعْم؛ لاستفزازي وإخراجي عن طوري، لا أعلم لِمَ يقومون بهذا، بدلًا من مواجهتي بالأمر، من غير تعنُّت وليِّ لأعناق الأحاديث؛ لتوافق مقصدهم من السخرية أو النقد عمدًا منهم، على رغم أن بعضهم عقلاء ومدركون لِما يقولون، فما الأسلوب الأمثل للتعامل مع مثل هؤلاء؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فملخص مشكلتك هو:

١- تشكو من أناس يلقون لومهم ونقدهم، أو يعرِّضون باللوم على أمور قديمة.

٢- وتسأل: لماذا يقومون بذلك؟

٣- وتقول: إنك تحب الصراحة والمواجهة، ويبدو من كلامك أنك إنسان جاد، وتحب الجدية، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: يبدو أن لشخصيتك الجادة الصريحة أثرًا كبيرًا في تحاشي بعض الناس للكلام المباشر معك، أو استعمالهم أسلوب اللف والدوران معك؛ ولذا لا بد أن تخفف من جديتك، وأن تتعامل مع الناس ببساطة وأريحية؛ حتى يألفوك ولا ينفروا منك.

ثانيًا: يبدو أنك تكثر النقد لتصرفات الناس ولكلامهم؛ لذا هربوا من مواجهتك؛ فاتركْ كثرة النقد، وأحْسِنِ الظن بإخوانك، وأعْرِضْ عن بعض الأخطاء اليسيرة؛ حتى تدوم الألفة وتزول الكُلْفَة.

ثالثًا: وإذا وجدت ما يستحق النقد والنصح، فالزم الإخلاص والحكمة والرفق؛ تأمل كثيرًا في الأحاديث النبوية التالية واعمل بها:

عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه))؛ [رواه مسلم].

وعنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه))؛ [رواه مسلم].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ((بال أعرابي في المسجد، فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه، وأريقوا على بوله سَجْلًا من ماء، أو ذَنوبًا من ماء؛ فإنما بُعثتم مُيسِّرين، ولم تُبعثوا معسِّرين))؛ [رواه البخاري].

وعن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا))؛ [متفق عليه].

وعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من يُحرَمِ الرفق يحرم الخير كله))؛ [رواه مسلم].

قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز معلقًا على هذه الأحاديث ومبينًا لمعناها:

"فهذه الأحاديث كلها تتعلق بالرفق، وعدم العَجَلة، وعدم الشدة في الأمور؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب الرفق في الأمر كله))، كما تقدم، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه))، فالإنسان في الدعوة إلى الله، وفي الأمر بالمعروف، وفي النهي عن المنكر، وفي ملاحظة أحوال أهل بيته، ومع جيرانه؛ كل ذلك بالرفق، في دعوته، وأمره، ونهيه، ونصيحته، وغير ذلك، عليه أن يتحرى الرفق في الأمر كله؛ لأن هذا أجدى وأنفع من الشدة والغلظة.

ويقول صلى الله عليه وسلم: ((يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا)).

ولما بال أعرابي في المسجد همَّ به الناس أن يقعوا به، فمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ((أريقوا على بوله سجلًا من ماء؛ إنما بُعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين))، ثم دعاه ونصحه، وقال له: ((إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من هذا البول والقَذَر، وإنما بُنيَت لذكر الله وقراءة القرآن والصلاة))، فعلَّمه ما ينفعه، وأمر الصحابة أن يرفقوا به؛ لأنه أعرابي جاهل، فينبغي في الدعوة إلى الله التيسير والتسهيل، وعدم الشدة في الأمور.

وهكذا في حديث جرير يقول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب الرفق في الأمر كله))، فالمؤمن رفيق في أموره؛ في دعوته، في أمره، في نهيه، في إصلاحه بين الناس، وفي غير هذا من شؤونه، مع أهل بيته، ومع جيرانه، ومع غيرهم؛ فإن الله يعطي على الرفق والحكمة والتواضع ما لا يعطي على العنف والشدة والغلظة".

رابعًا: واعلم - رحمك الله - أنه دون هذه الثلاثة؛ الرفق، والحكمة، وحسن الظن - سيَفِرُّ الناس منك فرارهم من السبع المفترس؛ وتذكر قوله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، واهجر الفظاظة والغلظة؛ فما تمسك بها إنسان إلا مَقَتَهُ الناس وهجروه.

خامسًا: يبدو أنك تريد التعامل مع من هم فوق مستوى البشرية؛ أي لا يخطئون أبدًا، وهذا محال مطلقًا، فمن يخالط الناس، فلا بد أن يصبر على أذاهم، وأن يحسن الظن بهم، وأن يرفق بهم.

خامسًا: أخي الكريم، اجتنب كثرة نقد الناس، وتغاضى عما يمكن التغاضي عنه؛ لأن الناس يمقتون مَن يُكْثِر مِن نقدهم على كل صغير وكبير، ولك أسوة في النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [التحريم: 3]؛ وتأمل الملام النفيس الآتي: قال ابن حبان رحمه الله: "من لم يعاشر الناس على لزوم الإغضاء عما يأتون من المكروه، وترك التوقع لِما يأتون من المحبوب، كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه، وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة والبغضاء، أقرب منه أن ينال منهم الوداد وترك الشحناء".

حفظك الله، ورزقك الحلم والحكمة، والرفق والصبر.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.