قسوة الوالدين في تربية الأبناء

منذ 8 أشهر 144

قسوة الوالدين في تربية الأبناء


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/3/2024 ميلادي - 10/9/1445 هجري

الزيارات: 30


السؤال:

الملخص:

فتاة عشرينية تشكو قسوةَ والدَيْها عليها، الأمر الذي جعلها تتمنى الموت، وتسأل: ما النصيحة؟

التفاصيل:

أنا فتاة في أول العشرينيات، مررت بأيام صعبة، والسبب في ذلك والداي، أمي تعاملني بقسوة، وتجرحني بالكلام، وتفرِّق بيني وبين إخوتي في المعاملة، وتضربني أمام العائلة لأسباب تافهة، ولا أنسى لأبي أنه اتهمني بالسرقة زورًا وبهتانًا وضربني أمام العائلة، وجعلني أضحوكة بينهم، ولما اتضح الأمر، لم يعتذر لي؛ ما أصابني بمرض الغدة الدرقية بسبب التفكير، أصبحت أكْرَهُ حياتي وأتمنى الموت، فبمَ تنصحونني؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:

فحياكم الله أختي، أسأل الله أن ينزل عليكِ بَرْدَ السَّكينة والرضا.

لا شكَّ أن الوالدين مصدر أمان ورحمة وحنان لأولادهما؛ لذا نجد أن الشريعة طالما نبهت على حقوقهما أيما تنبيه؛ لأنه لا يُظَنُّ بهما إلا ذلك، فحُبُّ الوالدين لأولادهم حبٌّ فطري، وغريزة أودعها الله في قلوبهما، لكن قد تنطمس هذه الفطرة السليمة لربما بسبب سوء النشأة، أو الظروف الصعبة والمشاكل، ونسأل الله العفو والعافية.

وللأسف أصبحنا نرى بعض النماذج لآباء وأمهات عقُّوا أبناءهم بشكل أو بآخر، ويا له من ابتلاء عظيم وخير عميم، حينما نفهم رسالة الابتلاء على الوجه الذي ينبغي!

رغم صعوبة الأمر وقسوته، لكن الله لطيف بعباده، رحيم بهم، لا يفعل شيئًا إلا لحكمة، فلا بد أن تثقي في حكمة الله ورحمته، ثم لتصبري ولتحتسبي، فكلُّ ألمٍ وكلُّ ضيقٍ لا يضيع هباءً، إنما هو في ميزان حسناتكِ.

أريدكِ أن تتقبلي ما قدَّره الله عليكِ بنفس مطمئنة صابرة، وإنه لَثَقِيلٌ على النفس، لكنه يسير على من استعان بالله.

استعيني بالله على كل ما مررتِ، وكل ما ستمُرِّين به من ألمٍ ومشاعرَ سيئة.

واعلمي أنهما محاسبان على تقصيرهما وقسوتهما معكِ، والله سبحانه وتعالى لا يحب المعتدين.

نعم، لهم حقوق فلا بد أن تُوفِّي بها أختنا الطيبة؛ لأنكِ ستُسألين أمام الله على ذلك، مهما قصروا معكِ أو أساؤوا، فأدِّي الحق الذي عليكِ، أحببتُ أن أنبهكِ لهذا؛ لأنني أعلم جيدًا أنه لربما مع الألم والضيق منهما يحدث منكِ بعض القول أو الفعل الذي لا يُرضي الله سبحانه وتعالى تجاههما، فأوصيكِ بضبط النفس وتقوى الله؛ لئلا تقعي في محظور، والله سبحانه وتعالى قال: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15]؛ قال ابن كثير: "أي: إن حرَصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما، فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعنَّك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفا؛ أي: محسنًا إليهما".

وكذلك أريدكِ أن تنتبهي لنفسكِ جيدًا، ليس الحل في تمني الموت، وليس الحزن والبكاء يُجديان، ولعله سبحانه وتعالى ابتلاكِ فيهما ليشغلكِ به وحده، تعلَّمي الاستغناء بالله؛ هو خالقكِ ورازقكِ بيده كل شيء، اشغلي نفسكِ بما ينفعكِ في الدنيا والآخرة؛ من حفظ القرآن وتعلُّم العلم الشرعي، وما ينفع المسلمين من أعمال تطوعية بضوابط الشرع، إن أُتيحت لكِ الفرصة، وليكن لكِ صحبة طيبة معينة لكِ على الخيرات، ولنا في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة، منهم مَن تَرَكَ بيته وأهله وماله وولده في سبيل الله، هذا هو الهدف الذي ينبغي أن نعيش له، ولا يعطلنا عنه، ولا يشغلنا أي شاغل أو ابتلاء مهما كان.

وكذلك أريدكِ أن تؤهلي نفسكِ جيدًا للزواج، فأنتِ اليوم ابنة، وغدًا تكونين زوجة وأمًّا، وهذه مسؤولية كبيرة، فلا بد من استعداد لها من جميع النواحي؛ حتى تتفادَي الأخطاء التي رأيتها من الوالدين في تربيتكم، وهناك الكثير من البرامج والكتب التي تساعدكِ في هذا.

أخيرًا أقول لكِ أختي: استعيني بالله واصبري واحتسبي، ولا تفكِّري فيما مضى، وليكن هذا الابتلاء طريقكِ للجنة، ولا تَمَلِّي أبدًا من الدعاء لأبيكِ وأمكِ، هداهما الله، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبها كيف شاء.

أسأل الله لكِ العافية من كل سوء.