♦ الملخص:
فتاة تقدم إليها شخصٌ فيه كل المواصفات التي تحلُم بها أي فتاة، لكنه من غير بلدتها، وذلك يقلقها؛ حيث سيثور عليهم أقاربهم؛ فبلدتها بلدة مغلقة، كما أن فارق السن بينهما كبيرٌ، وتسأل: ما القرار الصحيح في ذلك؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله.
أنا فتاة في التاسعة عشرة من عمري، تقدم إليَّ شخصٌ - ولله الحمد - على المنهج مثلي؛ يحافظ على الصلوات، وبارٌّ بوالديه، لا يختلط، ولا يحب ذلك، ويعمل في وظيفة محترمة، عمره 34 عامًا، هو شخص حنون هادئ فيما يبدو لي، وقد كان مسؤولًا عن جميع أخواته منذ تقاعُد والده، وقد زوَّجهن جميعًا، يعين أمه ويبَرُّها، طويل، ووزنه مناسب، كما أنه يملكُ طابقه الخاص في منزل والديه، وليس لديَّ أيُّ إشكال في السُّكْنى في منزل والديه، فالمهم هو الهناء والهدوء، وأمه رزينة عاقلة، تحب ابنها، وترجو له الزواج بمن يسعد معها، المشكلة أنني مترددة، وأشعر بالحيرة والقلق قليلًا من أمور؛ أولها: سأخرج عن عادات قومي وبلدتي المتعصبة للقبيلة، فهو من غير بلدتي، وذلك أكثر شيء يجعلني في دوَّامة من القلق؛ حيث سيثور علينا أقاربنا لو سمعوا بخِطبتي من شخص من غير بلدتي؛ فنحن في بلدة مغلقة، ثانيها: فارق العمر بيننا كبير؛ حيث يبلغ الفارق بيننا أربعة عشر عامًا؛ فهل فارق العمر يحدده التوافق والانسجام؟ ثالثها: مسألة بُعْدِ السكن؛ حيث يبعُد عن أهلي مسافة 700 كلم تقريبًا، أنا شخصية عاقلة ومسؤولة، وأوازن دومًا في قرارتي، ولا أتهور، والكثيرون يقولون لي: أنتِ أكبر من عمركِ، ولعل ذلك آتٍ من كثرة اطلاعي ولله الحمد والمنة، وقد سألته عند الرؤية عن جواز زيارة أهلي، فقال لي: إن كان هذا شرطكِ، فأنا موافق؛ ففي كل شهر سأذهب بكِ وسأعيدكِ بنفسي، فما قولكم؟ أعينوني في اتخاذ القرار الصحيح، وشكرًا لكم جميعًا.
ابنتي الفاضلة، بارك الله فيكِ ووفقكِ لكلِّ خير، وأعانكِ على اختيار ما يصلح لكِ.
جميل جدًّا ما أراه فيكِ من صفات يبدو فيها العقل والحكمة، والتأني والسعي لموازنة الأمور، أسأل الله أن يزيدكِ من فضله.
أنتِ - يا بنيتي اللهم بارك - قادرة على اتخاذ قرارات طيبة بفضل الله، ولكنكِ تحتاجين إلى بعض الإضاءات التي تساعدكِ على حسم أمركِ، وبإذن الله أسلط لكِ الضوء على هذه النقاط المحيرة لكِ؛ عسى أن تجدي فيها ما يبدد هذه الحيرة.
مشكلة أن هذا الشاب من بلدة غير بلدتكِ، وهذا قد يثير عليكِ الأقارب عند علمهم بخطوبتكِ - مشكلةٌ تبدو في ظاهرها صعبة، ولكنها يسيرة بإذن الله، إن نظرنا إليها من منظور الشرع؛ فنحن – المسلمين - يجب أن يكون ديننا هو مرجعيتنا الأساسية، وفي ديننا لا مكانَ لهذه القبلِيَّة الظالمة.
أعلم أنَّ هناك أعرافًا قد تحكمنا في بعض الظروف، ولكن إن كان أصحاب المبادئ الفاسدة يواجهون المجتمع، بلا خجل، ولا حياء؛ دفاعًا عن مبادئهم الطائشة، فلماذا نخشى نحن من مواجهة مَن حولنا بمبادئنا الصحيحة التي نستمدها من عقيدتنا؟!
على أي حال لا أطلب منكِ أن تخرجي عن نطاق المعتاد لديكِ، فتكلِّفي نفسكِ من الأمر ما هو فوق طاقتك، ولكن أطلب منكِ في هذه الجزئية تحديدًا أن تتركي القرار فيها لوالديكِ؛ فهُمْ أكثر خبرة بالأمر وأثره، وهم من سيتحمل تبِعات هذا الاختيار بالشكل الأكبر؛ لذلك اطلبي منهما أن يتخذا هما القرار بخصوص هذه الجزئية، وفي حال عدم اعتراضهما على الأمر يمكن أن تنتقلي للجزئيات الأخرى المحيرة لكِ لتتخذي قرارًا بشأنها.
النقطة الثانية التي تحتاجين أن نسلط عليها الضوء هي بُعد المسافة بينكِ وبين والديكِ، أقول لكِ: إن هذا الأمر ليس بالعائق الكبير، وخاصة مع وجود وسائل التواصل الحالية، التي قرَّبت المسافات وجعلت العالم كأنه قرية واحدة، ولكن الأمر هنا يعتمد على مدى قدرتكِ على تحمُّل هذا البعد، فهناك من الفتيات التي لا تتحمل البعد عن أهلها لمدة شهر، وهناك من تتحمل ذلك وتستطيع أن تستمر في الحياة بقوة نفسية، وبدون شعور بضيقٍ يؤثر على علاقتها بزوجها، فانظري إلى نفسكِ، وحاولي التعرف على طبيعتكِ في هذه الجزئية، ولكن أرجو أن تضعي في حسبانكِ شيئًا مهمًّا جدًّا؛ وهو أنه ليس بالضروري أن يفِيَ هذا الشاب بوعده لكِ بخصوص الزيارة الشهرية لأسرتكِ؛ وذلك لأسباب كثيرة قد تتعلق بشخصيته أو بطبيعة عمله لاحقًا، أو بمستجدات الحياة الخاصة به، أو بكِ، فإن وافقتِ عليه، يجب أن تضعي ذلك في الحسبان، ولكن دون أن تخبريه بأنكِ تضعين هذه الاعتبارات في تفكيركِ.
النقطة الثالثة تتعلق بفارق السن بينكِ وبينه، لقد تركت الشريعة الإسلامية هذا الأمر بأيدينا حتى يختار كل إنسان ما يصلح له، وما يتوافق مع مشاعره وأفكاره وتوجهاته في الحياة؛ فهناك من النساء من لا يمثل فارق العمر بالنسبة إليها أي معضلة، بينما قد يؤثر ذلك نفسيًّا على أخرى؛ مما يجعل حياتها تصبح أشبه بالجحيم الذي لا يُطاق.
وهناك مَن تُوازِنُ الأمر فتتزوج الأكبر سنًّا إن وجدت فيه صلاحًا وعقلًا، وحكمة وحنانًا، وتحمُّلًا للمسؤولية، وغير ذلك من الصفات الحميدة التي قد لا تجدها بالشكل الذي يرضيها في الأصغر سنًّا.
لذلك فأنتِ وحدكِ من يمكنها حسم هذه النقطة، خاصة أنكِ تمتازين بالعقل وعدم التسرع وعدم الاندفاع، ولكن أرجو أن تضعي في اعتباركِ في حال الموافقة على من يكبركِ سنًّا التأكد من أن قيمكما في الحياة متشابهة، وأن طريقة تفكيركما متقاربة، وأن هذا الشاب يتمتع بروح حلوة وطيبة، ويعرف كيف يتعامل مع الآخرين، وأنه يقدِّر احتياجاتهم، وأنه يتسم بالمرونة.
وبالطبع عليكِ بالاستخارة والإكثار من الدعاء بأن يوفقكِ الله لِما فيه الخير لدينكِ ودنياكِ.
أسأل الله أن يوفقكِ للاختيار السليم، ويبارك لكِ في اختياركِ، ويرزقكِ السعادة في الدارين.