عدواني ولا أحب المزاح

منذ 1 سنة 186

عدواني ولا أحب المزاح


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/10/2023 ميلادي - 10/4/1445 هجري

الزيارات: 13



السؤال:

الملخص:

شاب يشكو جديته التي تخطت الحدود، وبُغضه للمزاح والضحك، بالإضافة إلى عدوانية متمكنة منه في ردود أفعاله، ويسأل: ما الحل؟

التفاصيل:

أنا شاب في الثانية والعشرين من عمري، ضعيف في الديانة؛ أترك الصلاة شهرًا، وألتزم يومًا، وإذا ما قرأت القرآن أبكي، مشكلتي أنني شخص عدواني، ولا أحب المزاح أو الضحك؛ حتى إذا ضحكت، فمن باب المجاملة، وهذا سبَّب لي مشاكلي، وعندي مشكلة أخرى، وهي الخجل المتخطي للحدود من البنات، ولما أصبحتُ في غربة، زادت المشكلة؛ إذ أصبحتُ أجلس وحيدًا في البيت، بعيدًا عن أي فعل من الممكن أن أفعله دون قصد، تناولت مهدئات وعلاجات للأعصاب، وتحسنت حالي إلى الأفضل، لكنَّ لها أعراضًا جانبية، ولا بد أن أزيد الجرعة بعد مدة؛ فاضطررتُ إلى ترك الدواء؛ فما الحل؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فمشكلتك لها أسباب قديمة، ولها علاجات بعضها طبي من اختصاص الأطباء، وبعضها شرعي سأذكره لك إن شاء الله، أما أسباب مشكلتك فهي:

1- تراكمات مما وصفته بالتعامل غير المناسب من قريب لك، هذا التعامل، وهذه التربية أوجدت عندك ردة فعل بحب الانتقام من الغير، وتقطيب حاجبيك، والحقد والحسد لغيرك، والاعتداء...

2- أيضًا يبدو أنك لم تربَّ تربية صالحة؛ بدليل تركك للصلاة، وأن تدينك ضعيف، وهذه التربية السيئة، إما بإهمال من الوالدين، أو بتأثير جلساء السوء.

3- لكن مع ذلك يبدو فيك بذرة خير فُطِرت عليها، ولكنك لم تنتبه لها، وهي ما ذكرته من أنك أحيانًا إذا قرأت القرآن تبكي.

ولِما سبق أقول من الحلول الشرعية لحالتك الآتي:

أولًا: قبل كل حلٍّ لا بد من وقفة جادة مع نفسك؛ لمحاسبتها على ترك الصلاة وسائر الموبقات؛ لأن تركها هو أساس كل بلاء؛ لقوله سبحانه: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45]، فتَرْكُ الصلاة منكر عظيم، بل قال بعض العلماء بكفر تاركها كفرًا أكبرَ مخرجًا من الإسلام؛ واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة))؛ [رواه مسلم في صحيحه].

وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: "والكفر والشرك إذا عُرف، فالمراد به الكفر الأكبر، والشرك الأكبر؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر))، وهذا هو الأرجح، وأصح القولين: أنه يكفر كفرًا أكبر، نعوذ بالله، ولو ما جحد وجوبها، سواء تركها كلها، أو ترك الفجر، أو الظهر، أو العصر، أو تارة يصلي، وتارة لا يصلي، يكفر بذلك، وعليه أن يجدد توبة نصوحًا.

وذهب الأكثرون من الأئمة الأربعة، من المالكية، والحنفية، والشافعية إلى عدم كفره، وأنه كفر أصغر، وشرك أصغر، وهو قول جماعة من الحنابلة أيضًا، ولكن الصواب الأول: أنه كفر أكبر؛ لأن الأدلة الشرعية تدل على كفره؛ لأنها عمود الإسلام، فيجب الحذر من ذلك.

ثانيًا: الذي لا يصلي من الطبيعي أن يعيش متنكدًا متوترًا ظالمًا؛ لأنه أعرض عن ذكر الله؛ كما قال سبحانه في وصفه: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].

ولذا إذا أردت السعادة والطمأنينة والنجاة من عذاب الدنيا والآخرة، فحافِظْ على صلاتك بشروطها وأركانها، وواجباتها وخشوعها؛ لأن المقصود الأعظم هو إقامة الصلاة، وليس مجرد الأداء، وذلك حتى تحصل على الصلاة التي تنهى عن المنكرات، وتكسب الطمأنينة.

ثالثًا: ذكرت أنك إن حصل وقرأت القرآن، بكيت، وهذه تدل على بذرة خير عظيمة في قلبك؛ فعليك حسن الاستفادة منها بالإكثار من تلاوة القرآن، مع محاولة التدبر والعمل؛ لتحصل على سعادة الدارين؛ دار الدنيا، ودار الآخرة.

رابعًا: أما عدوانيتك، وعدم تحكمك في أعصابك؛ ومن ثَمَّ إيذاؤك لغيرك، فتستطيع بإذن الله تهذيبها، والتخفيف منها بالأمور الآتية:

1- المواظبة المستمرة على الصلاة وتلاوة القرآن، فهما يُهذبان الأخلاق، ويُهدئان النفس.

2- الدعاء مهم جدًّا جدًّا، فتدعو الله بلا كللٍ ولا مللٍ بأن يرزقك الله الحِلم والرفق، وأن يُعِيذك من شر الغضب ومن شر جوارحك.

3- أن تتذكر أن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأن المظلومين سينتقمون يوم القيامة بأخذ حسناتك.

4- مجاهدة نفسك على كظم الغيظ، وعلى العفو عمن ظلمك؛ قال سبحانه: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 133 - 136].

خامسًا: أما مشكلة جديتك الزائدة، وعدم قدرتك على المزاح والضحك مثل زملائك، فهي من آثار التربية السابقة؛ تربية الشدة والقسوة، فعالِجْها بمجاهدة نفسك على التخلص منها، وعالجها بمخالطة من يجمعون بين الجد والمزاح.

وعالجها بالحرص على طاعة الله سبحانه وترك معاصيه، والإكثار من تلاوة القرآن والذكر؛ فهي مجتمعة تُلين القلب القاسي، وتُدخِل السرور على القلب، وتُذْهِب عنه الحزن والكآبة، وتقلب الإنسان من شديد غليظ جاف، إلى إنسان هادئ الطباع، مُشرق الوجه، مُبتسم خلوق صبور.

سادسًا: وكذلك مشكلة الخجل عالجها بالمجاهدة على التخلص منها، وبالدعاء، والاستغفار، والاسترجاع، ومخالطة من آتاهم الله جرأة محمودة تأخذ الحق ولا تظلم الخلق.

السابع: بقِيَ الشق الثاني من مشكلتك وهو الصحي، فلعلك تعرض نفسك على طبيب حاذق، يلتمس لك علاجات طبية مباركة.

حفِظك الله، وأعانك على نفسك وهواك.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.