زوجي يقاطع أهله

منذ 1 سنة 337

زوجي يقاطع أهله


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/2/2023 ميلادي - 20/7/1444 هجري

الزيارات: 18



السؤال:

الملخص:

امرأة متزوجة تذكُر أن زوجها على خلاف مع أهله، ودخل معهم في مقاطعة، ويرفُض أن نذهب لزيارتهم، وتسأل: ما الحل؟

التفاصيل:

حصل خلاف بين زوجي ووالده، وقام بمقاطعتهم لشهور، وهو يقاطعهم حتى هذه اللحظة، ورفض أن أتدخل، وهذا يؤثر على أطفالي لأنه منعنا زيارة أهله، طلبت من أخته أن تقنعه بحكم أن علاقته معها جيدة، ويتواصل معها، لكنه قابل كلامها بالمكابرة، وأنه لم يخطئ، وليس محتاجًا أهله، لا أعرف كيف قسا قلبه على والديه، أتمنى أن أجد حلًّا أو على الأقل أن يسمح لأطفالي بزيارة والديه؛ لأن الانقطاع يؤثر على نفسيتهم، ولا أعرف ماذا أقول لهم، فبمَ تنصحونني؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فالمشكلة التي أرسلتِها لا تحتاج للتلخيص، فهي واضحة جدًّا، ولكن السؤال المهم جدًّا: ما علاج عقوق زوجكِ لوالديه؟!

فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: أن تنظروا إليه على أنه مريض بمرض عضال، ومحتاج لشفقتكم عليه، وهو كذلك، فالعقوق مرض عظيم خطير جدًّا؛ لذا فعليكم بأعظم علاج وأقواه؛ وهو الدعاء له بأن يعينه الله سبحانه على بر والديه، والإحسان إليهما، وأن يعيذه الله من نزغات الشيطان، وتزيين الباطل له؛ فالله سبحانه قال قولًا حكيمًا جازمًا: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

ثانيًا: لا يُنكر أن بعض الآباء والأمهات قد يقعون في أخطاء وظلم لبعض أبنائهم، ولكن هذا لا يسوِّغ أبدًا للأبناء عقوق والديهم، أو حتى مجرد التقصير في حقوقهما؛ لأن الله سبحانه أمر ببرِّ الوالدين، ولو كانا مشركَين، ويدعون أبناءهم للشرك، فكيف بالوالدين المسلمين؟ كما قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15]، فعليكم تذكيره بذلك.

ثالثًا: يُذكر بأن حق الوالدين أعظم حق بعد حقوق الله سبحانه، وأن هذا الحق ليس مكافأة فقط، بل هو واجب عظيم لا يسقط، ولو ظلما أولادهما؛ لقوله سبحانه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23].

رابعًا: يُذكر بأن عقوقه لوالديه يكون سببًا لعقوبات معجلة؛ منها غضب الله سبحانه عليه، وعقوق أبنائه له، والعقوبات الشديدة في الآخرة، وربما في الدنيا والآخرة معًا؛ للحديث الآتي: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدُهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة))؛ [رواه مسلم].

فقوله صلى الله عليه وسلم: ((رغم أنف هذا)) يشبه أن يكون دعاءً عليه بذلك؛ أي: بالذل والصغار والمهانة.

خامسًا: يُذكر بأجر العفو والصفح والتنازل عن الحقوق مع كل الناس، ومن باب أولى الوالدان؛ لقوله سبحانه: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40].

ولقوله عز وجل: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134].

ولقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [فصلت: 34 - 36].

سادسًا: إن كان والداه مخطئين حقيقة، فيناصحان من قِبل عقلاء العائلة بالعدول عن أخطائهما.

سابعًا: لا يجوز له ما فعله من منعه أولاده من زيارة والديه، وما يسببه ذلك لهم من أذًى نفسي، بل يأثم بذلك؛ لأنه بهذا يدعوهم للعقوق ولقطيعة الرحم، وهما من كبائر الذنوب؛ قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴾ [الرعد: 21].

وقوله: ﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾ [الرعد: 21]، يقول تعالى ذكره: والذين يصلون الرَّحم التي أمرهم الله بوصلها فلا يقطعونها ﴿ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ يقول: ويخافون الله في قطْعها أن يقطعوها، فيعاقبهم على قطعها، وعلى خلافهم أمرَه فيها.

ثامنًا: يبدو من جرأته على عقوق والديه ومن منعه لأولاده من زيارة والديه أنه يكرههما كرهًا شديدًا، وهذا في الغالب قد يدل على أن به أحد الأمور الآتية أو بعضها؛ وهي:

١- ضعف الإيمان، وضعف المحافظة على الواجبات الشرعية، خاصة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر.

٢- أن به شدة وغلظة، وجفاء وقسوة.

٣- قد يكون له جلساء يحرضونه على والديه.

٤-أن هناك مانعًا خارجيًّا يمنعه من بر والديه، ويدعوه للقسوة عليهم؛ مثل: مرض نفسي، أو حسد، أو سحر، أو مس، فإن كان به شيء منها، فلا بد من معالجته بالدعاء والرقية.

تاسعًا: وأنتِ تشكرين كثيرًا لألمكِ بسبب عقوقه لوالديه، وعليكِ بعدم اليأس من صلاحه، فاستمري في الدعاء له ومناصحته برفق، مرة بنصيحة مباشرة، ومرة بمقطع فيديو مؤثر، ومرة برسالة واتس.

عاشرًا: وإن كان له أقارب أو أصدقاء يقبل نصائحهم فيطلب منهم مناصحته.

حادي عشر: يطلب من خطيب الجامع أو إمام المسجد الذي يصلي فيه إلقاء المواعظ في التحذير من العقوق وقطيعة الرحم.

حفظكم الله، وفرج كربتكم، وأعان زوجكِ على بر والديه.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.