رفعت الحذاء على زوجي

منذ 1 سنة 255

رفعت الحذاء على زوجي


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/3/2023 ميلادي - 15/8/1444 هجري

الزيارات: 14



السؤال:

الملخص:

امرأة متزوجة تشكو زوجها؛ إذ هو لا يلبِّي طلباتها إلا بعد نكدٍ، والأمر بينهما على أسوأ ما يكون بين الزوجين، فهما يتبادلان الشتائم، ويتبادلان الضرب، فقد ذكرتُ أنها رفعت حذاءَها عليه تريد ضربه، وتسأل: ما الحل؟

التفاصيل:

زوجي لا يلبي طلباتي إلا بعد نكد؛ فقد تحسر على الشاشة التي طلبتها منه، وسعرها أربعة آلاف جنيه مصري، مع أنه يمتلك هاتفًا ثمنه ثمانية آلاف جنيه مصري، وآخر ثمنه خمسة آلاف، وسيشتري ثالثًا ثمنه أحد عشر ألفًا، حدثت بيننا مشكلة، وضع بسببها إصبعه في عيني، فوضعت إصبعه على عينه، ولم أضعها إلى داخل كما فعل هو، فأجريت عملية في عيني، ولما عدتُ، صار يفتعل معي المشاكل، ويسخر مني ومن طعامي وشكلي، وأصبحت أرد عليه ما يقول، يشتمني بألفاظ نابية، وقد رفع الحذاء عليَّ، يريد ضربي، وأنا فعلت به مثلما فعل، فما الحل؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فملخص مشكلتكِ هو:

١- يبدو واضحًا جدًّا من رسالتكِ أنكما شديدا الغضب، شديدا الاعتداد بالنفس.

٢- ويبدو أنكما عنيدان.

٣- ويبدو أن زوجكِ يستفزكِ برفض بعض الطلبات، وأنتِ تستفزينه بسوء الردود والإلحاح في المطالبات.

٤- ويبدو أنكما تحتاجان لتهذيب اللسان وعفته عن الشتائم والسباب.

٥- ويبدو أنكما بنيتما حياتكما على الدنيا، فعلى قدر ما تحصلان منها أو تنفقان، تكون المحبة أو الكراهية.

٦- ويبدو أنكِ تعيشين في أسرة مستواها المادي مرتفع نسبيًّا؛ ولذا تقارنين حالكِ وحال أبنائكِ بحال من حولكم.

٧- ويبدو أن الحياة بينكما مبنية على التعامل النِّدِّيِّ، وكأنكِ رجل يتعامل مع رجل!

٨- ويبدو أن طغيان التعامل المادي والندي أفقدكما روح الحياة الزوجية السعيدة؛ وهي: (المودة، والسكن، والرحمة).

٩- ويبدو أن عبادتكما بها قصور؛ ولذا ركزتما على الدنيا، وتباغضتما من أجلها، وتلوثت ألسنتكما، وتوترتما، ولم تحصلا على نتيجة العبادة؛ وهي: السكون، وانشراح الصدر، والراحة والصبر.

١٠- وتشتكين أيضًا من إثارته المشاكل معكِ، وسخريته من شكلكِ ومن طعامكِ؛ فلعل كل ذلك ناتج عن الجو المشحون بينكما بكثرة الاختلافات والمجادلات؛ مما أنتج شيئًا من التنافر، ومن ثَمَّ الهمز واللمز والتعييب.

وبعد هذا كله تسألين: ماذا تفعلين؟!

فأقول مستعينًا بالله وحده:

أولًا: لا بد أن تجاهدا نفسيكما على التخلص من سلبياتكما التي منها: (الغضب، والعناد، والاعتداد بالنفس)، ولعل التخلص منها كلها يكون بالآتي:

١- الدعاء، وهو أهم الأسباب.

٢- مجاهدة النفس على التخلص منها، ومحاسبة النفس عند حصول شيء منها.

3- الاسترجاع.

4- الاستغفار.

5- الوضوء عند الغضب، وتغيير المكان، والصمت، وعدم المجادلة.

6- معرفة فضل حسن الخلق، وكظم الغضب، وترك الجدال؛ ومن ذلك قول الله عز وجل: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134].

وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في رَبَضِ الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه))؛ [حديث صحيح، رواه أبو داود بإسناد صحيح].

وعن جابر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني يوم القيامة: الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون، والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون))؛ [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن].

ثانيًا: الاعتداد بالنفس والعناد ناشئان من مرضين؛ هما: الغضب، والغرور والاحتقار للغير؛ ولذا فلا بد من التخلص من هذين المرضين بأسباب العلاج السابقة.

ثالثًا: أما رفض زوجكِ لبعض المطالبات، فأحسني الظن به؛ فقد يكون له وجهة نظر صحيحة فيها، أو أنه غير قادر ماديًّا عليها، ولا يصلح أبدًا مقارنة ما ينفقه على نفسه وجوالاته بما ينفقه على أبنائه، وحتى لو كان رفضه لمطالب أبنائه بخلًا، فلا يليق بكِ أبدًا استفزازه بالإلحاح في المطالبات، والتراشق معه بالألفاظ البذيئة، فهي لا تحقق مطلبًا، بل تثير النفوس، وتبعدها بالتشاحن، وتشتت شمل الأسرة.

رابعًا: لا بد من مجاهدة نفسيكما على ضبط اللسان عن بذيء الكلام، والاستغفار إذا حصل زلل منه؛ قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].

وقال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].

وتأملوا كثيرًا الحديث التالي، واجتهدوا في العمل به: ((ليس المؤمن بالطَّعَّان، ولا اللعَّان، ولا الفاحش، ولا البذيء))؛ [رواه الحاكم في المستدركِ على الصحيحين].

والحديث التالي: عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه))؛ [متفق عليه].

خامسًا: بناؤكما حياتكما على الدنيا خلل تربوي شرعي، فالحياة الزوجية أعظم قدرًا وشرفًا من ملايين الدنيا كلها، واستمراركما على هذا التعامل المادي البحت، تتنازعون على الدنيا وتعادون عليها - خطير ومؤذِن بزوال سعادتكما، وربما تفرقكما بالطلاق، فكوني حكيمة، وتذكري أن هذا زوجكِ وأبو أولادكِ، وأنكِ تؤجرين على حسن التعامل معه، والصبر على أذاه وتفريطه.

سادسًا: احذري أنتِ وزوجكِ من أن يكون فيكما شبه من الكفار والفساق، الذين جعلوا الدنيا أكبر همهم، ونسوا الآخرة؛ قال سبحانه ذامًّا لهم: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 7].

وقوله: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 7]؛ أي: أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وأكسابها وشؤونها وما فيها، فهم حذَّاق أذكياء في تحصيلها، ووجوه مكاسبها، وهم غافلون عما ينفعهم في الدار الآخرة، كأن أحدهم مغفل، لا ذهن له ولا فكرة.

قال الحسن البصري: "والله لبلغ من أحدهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره، فيخبركِ بوزنه، وما يحسن أن يصلي".

قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ((قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الكلمات لأصحابه: اللهم اقسم لنا من خشيتكِ ما يحول بيننا وبين معاصيكِ، ومن طاعتكِ ما تبلغنا به جنتكِ، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا))؛ [رواه الترمذي، والنسائي، والطبراني].

سابعًا: تطلُّعكِ لمن هم فوقكم في المستوى المادي يجعلكم تحتقرون ما عندكم من خير.

وتأملوا الحديثين الآتيين: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألَّا تزدروا نعمة الله عليكم))؛ [متفق عليه، وهذا لفظ مسلم]، وفي رواية البخاري: ((إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه)).

وعنه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعس عبدالدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أُعطيَ رضيَ، وإن لم يعطَ لم يرضَ))؛ [رواه البخاري].

ثامنًا: أما تعاملكِ مع زوجكِ تعاملًا نديًّا، فهو خطأ كبير؛ لأن الزوجة مطالبة شرعًا بالخضوع لزوجها بالمعروف، ولأن التعامل الندي يتعارض تمامًا مع القوامة الشرعية للرجل؛ قال سبحانه: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ [النساء: 34].

ولأن التعامل الندي لا يحل مشكلة، ولا يجلب مالًا، بل يسبب التباعد والتشاحن، وربما الطلاق، وأهمس في أذنكِ: كل الرجال يحبون الزوجة الوديعة، المطيعة عفيفة اللسان، ويكرهون السليطة المترجلة.

تاسعًا: فإذا أردتما حياة زوجية هنية سعيدة، ملؤها السكن والمودة والرحمة، فاتركا نهائيًّا التعامل الندي والتعامل المادي المبني على الغيرة من زوجكِ أو لأبنائكِ.

واعملا معًا بالحديث الآتي: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى))؛ [رواه البخاري].

عاشرًا: راجعا علاقتكما بالله سبحانه، فربما أنكما مقصران فيها كثيرًا، خاصة المحافظة على الصلاة في أوقاتها، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وغيرها؛ فعوقبتما عاجلًا فحاسبا نفسيكما، وتوبا إلى الله سبحانه؛ ليتوب عليكما، ويبدل حالكما، وربما أنكِ تستمعين للمحرضات لكِ على زوجكِ؛ فاحذريهن أشد الحذر.

حفظكما الله، ووفقكما لكل خير.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.