خصام الزوجة للزوج

منذ 1 سنة 239

السؤال:

ما حكم خصام الزوجة للزوج وقلة الكلام معه بسبب الخلافات الزوجية وقلة اهتمامه ببيته واولاده وزوجته وتقصيره تجاههم في جميع الامور فيما عدا الجانب المادي مما يؤثر سلبا علي البيت ونفسية الزوجة والاولاد وشعورها بالوحدة امام كل هذه المسئوليات ؟ وجزاكم الله خيرا

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن كان الحال كما ذكرت فيجوز للزوجة هجره؛ لأن أهل العلم قد نصوا على أحوال يجوز للمرأة أن تهجر الزوج منها إن كان ظالما لزوجته معتديًا عليها، أو غير قائم بحقوقها، فلها أن تمنعه بعض حقوقه؛ ونصّ شيخ الإسلام ابن تيمية أنها تهجر زوجها في المضجع لحق الله؛ بدليل قصة الذين خلفوا.

وإذا أعسر الزوج بالنفقة، أو امتنع من الإنفاق الواجب عليه، يجوز للمرأة أن تمتنع عن فراشه، ويجوز لها أيضا أن تخرج من بيته ولو بغير إذنه، لأن المرأة محبوسة في البيت لحق زوجها لأجل إنفاقه عليها، فإذا لم ينفق فلا حق له في حبسها.

قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب": "وان اختارت المقام بعد الاعسار لم يلزمها التمكين من الاستمتاع ولها أن تخرج من منزله، لأن التمكين في مقابلة النفقة، فلا يجب مع عدمها". اهـ.

قال الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين" (3/ 142) – في معرض شرحه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح)) – "... ولكن هذا في حق الزوج القائم بحق الزوجة، أما إذا نشز ولم يقم بحقها؛ فلها الحق أن تقتص منه وألا تعطيه حقه كاملاً؛ لقول الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]، ولقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]، لكن إذا كان الزوج مستقيماً قائماً بحقها فنشزت هي ومنعته حقه؛ فهذا جزاؤها إذا دعاها إلى فراشه فأبت أن تأتي.

والحاصل أن هذه الألفاظ التي وردت في هذا الحديث هي مطلقة، لكنها مقيدة بكونه قائماً بحقها، أما إذا لم يقم بحقها فلها أن تقتص منه وأن تمنعه من حقه مثل ما منعها من حقها". اهـ.

لكن يجب أن يعلم أن مقصود الهجر هو زجر المهجور وتأديبه، وتقليل الشر وزيادة الخير، فإن ترتب على الهجر زيادة الشر، أو كان لا يؤثر بسبب ضعف الهاجر، أو ترتب على الهجر مفسدة أكبر كأن يمتنع عن الفقة أو يقللها-: فحينئذ لا يشرع الهجر، وينبغي البحث عن وسيلة أخرى مثل الحوار المباشر مع الزوج، مع كثرة الإلحاح عليه أن يتحمل مسؤليته الشرعية في رعاية وتربية الأبناء والزوجة؛ فالزوج هو رئيسُ الأسرة الذي يقوم بمصالحها من النفقة والصيانة والحماية، والعطف والرعاية؛ كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 228]، وقال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].

هذا؛ ويتعين على كلا الزوجين غض الطرف عن مقتضى الكراهة، من الأخلاق الذميمة، والنظر  الأخلاق والطباع الجميلة، وهذا من العدل الذي قامت به السماوات والأرض، فلا يوجد رجل ولا امرأة بلا عيب، وهو حال جميع البشر، والعاقل مَن نظر إلى الإيجابيات ويتحفَّى بها، ويتجنب السلبيات ولا يضخمها، فإن لم يستطع هذا فلا أقل من الإنصاف، وهو الموازنة بين الحسنات والنقائص؛ وهذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إن كَرِه منها خلقًا رضِي منها غيره))؛ رواه مسلم. قَالَ سبحانه وتَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]؛ أي: ينبغي عليكم - أيها الأزواج - أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهنَّ، فإن في ذلك خيرًا كثيرًا.

ويمكنكم أن توَسِّطوا بعض أهلَ الخير لحل تلك المشكلة؛ كما قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35]،، والله أعلم.

  • 0
  • 0
  • 24