حديقة الحيوان بالجيزة "تاريخ" من ذكريات المصريين

منذ 2 سنوات 224

ربما لا يخلو منزل في القاهرة والمحافظات القريبة من وجود صورة تجمع العائلة خلال نزهتها بحديقة الحيوان بالجيزة، فهي على مدار أجيال ارتبطت بالتجمعات العائلية والرحلات المدرسية وأيام الأعياد، فالحديقة التي احتفلت العام الماضي بمرور 130 عاماً على إنشائها تجاوزت فكرة المفهوم التقليدي للحدائق العامة وتحولت إلى جزء رئيس من ذكريات سعيدة لأجيال متتالية.

حديقة الحيوان بالجيزة هي الأولى من نوعها في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وقيل عنها إنها درة تاج حدائق الحيوان في أفريقيا لما تضمنته من حيوانات نادرة وأشجار معمرة على مساحة تمتد حالياً لنحو 80 فداناً.

تاريخ حدائق الحيوان

يقول بعض العلماء إن إنشاء أول حديقة حيوان في التاريخ يعود إلى عصر الملكة حتشبسوت التي استجلبت من الخارج حيوانات مثل الفيلة والقرود وأنواعاً من الطيور تم وضعها في ما يشبه الحدائق ليشاهدها الناس، وتطورت حدائق الحيوان مع مرور الزمن وكان لها وجود في العصور اللاحقة بصور مختلفة، كما اهتم كثير من الحكام بوجود أنواع من الحيوانات والطيور النادرة في قصورهم ومن أشهرها قصر محمد على باشا في منطقة شبرا، إلا أنه يمكن القول إن البداية الحقيقية لفكرة حديقة الحيوان بالمعنى الحديث كانت عندما فكر الخديوي إسماعيل في إنشاء حديقة حيوان بالتواكب مع افتتاح قناة السويس عام 1869 لكنه لم يتمكن من ذلك لضيق الوقت.

افتتحت الحديقة في عام 1891 في عهد ابنه الخديوي توفيق وكانت أول حديقة حيوان في أفريقيا والمنطقة العربية وضمت أنواعاً نادرة من الأشجار والنباتات إضافة إلى أنواع مختلفة من الحيوانات، وكانت وقتها تضم نحو ستة آلاف حيوان من نحو 175 نوعاً من حيوانات وطيور نادرة وزواحف، وأنشئت بها خمسة جبلايات ضخمة بنيت على أعلى مستوى.

سراي الجيزة

كان سراي الجيزة قصراً صغيراً يقع في المنطقة التي أنشئت فيها حديقة الحيوان حالياً وبناه سعيد باشا عم الخديوي إسماعيل وبعد وفاته اشتراه الخديوي إسماعيل من ابنه طوسون وكان على مساحة تصل إلى نحو 30 فداناً إلا أن الخديوي إسماعيل هدم القصر وأعاد بناءه ليكون واحداً من أجمل قصور عصره، وضم إليه المنطقة الممتدة أمامه (حديقة الأورمان حالياً)، لتصل مساحة القصر وحدائقه إلى نحو 500 فدان كانت تضم أندر النباتات والأشجار ويشرف عليها أفضل خبراء البستنة، وضمت الحدائق أنواعاً مختلفة من الحيوانات والطيور مثلت النواة الأولى لحديقة الحيوان بالجيزة.

كان قصر الجيزة واحداً من أجمل القصور في مصر آنذاك لكنه هدم عند إنشاء حديقة الحيوان، إذ إن موقعه كان في الحيز الحالي للحديقة، ويذكر أن هذا القصر استخدم قبل هدمه بفترة كدار للآثار أو متحف، قبل بناء المتحف المصري في ميدان التحرير بوسط القاهرة.

إقبال ممتد على مدار السنوات

على مدار عشرات السنوات كانت الحديقة ملتقى للأسر المصرية ومكاناً رئيساً للنزهة وبخاصة في أيام الأعياد والإجازات، تقول مها صابر مدير حديقة الحيوان بالجيزة لـ"اندبندنت عربية" إن الحديقة تشهد إقبالاً كبيراً من الجماهير، سواء من العائلات أو الرحلات المدرسية، وتعد أحد أهم وأشهر أماكن النزهات في مصر، ويقبل عليها الناس من جميع المستويات باعتبارها من معالم المنطقة الرئيسة، وهي الوحيدة من نوعها في القاهرة، كما أنها ترتبط بالتاريخ والذكريات فيأتي لزيارتها الناس على مدار الأجيال، فمن كانوا صغاراً يذهبون إليهم بصحبة الكبار أصبحوا يأتون إليها بعد سنوات مع أطفالهم، فالرحلة إلى الحديقة باتت جزءاً من ذكريات المصريين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتضيف "أخيراً خصصنا يوم الثلاثاء من كل أسبوع بسعر 65 جنيهاً (2.6 دولار أميركي) لتذكرة الدخول، لمن يرغب في الهدوء، بينما سعر التذكرة في بقية أيام الأسبوع خمسة جنيهات فقط وهو مبلغ رمزي حتى تكون في متناول الناس".

وتقول صابر "في السنوات الأخيرة أضيفت بعض العناصر الجاذبة للجماهير ومنها حديقة الحيوانات الأليفة، وتتميز بوجود أنواع معينة من الحيوانات لا توضع في أقفاص ويتفاعل معها الناس مباشرة، وتكون تجربة مميزة خاصة للأطفال، وتمت إضافة بدالات مائية في البحيرات، إذ يستمتع الناس بها وسط المياه والجداريات والمجسمات للحيوانات المختلفة، وفي الوقت نفسه تمثل الأماكن القديمة والأثرية أهمية كبيرة مثل الكوبري المعلق والجبلايات مثل جبلاية الشمعدان، والجبلاية الملكية التي صممت بطريقة تجعل درجة الحرارة بها ثابتة طوال العام، والجبلاية الخاصة بجزيرة الشاي".

أماكن أثرية

من أبرز الأماكن داخل حديقة الحيوان الكوبري المعلق الذي أنشئ في عام 1911 وبناه المهندس الفرنسي جوستاف إيفل الذي بنى برج إيفل في فرنسا، إذ أمر الخديوي إسماعيل بإنشاء كوبري معلق كان أول منصة عرض مرتفعة لحديقة حيوان في العالم، ويحمل شعار الخديوي المكون من حرفي IP، وتزينه ثلاث نجوم وأسفله هلال ونجمة ويعلوه التاج الملكي.

000_Nic6395570.jpg

تضم الحديقة أيضاً الكشك الياباني وتم بناؤه عام 1924 عند زيارة ولي عهد اليابان إلى مصر في عهد الملك فؤاد تخليداً لذكرى الزيارة، وجبلاية القلعة التي تعتبر من أقدم منشآت الحديقة وصممت على هيئة كهوف تحيطها قناة صغيرة، وجزيرة الشاي التي صممت بالأساس كاستراحة للخديوي إسماعيل، واستراحة الملك فاروق التي بنيت وسط الحديقة ويحيطها نباتات نادرة.

متحف الحيوان

يعتبر متحف الحيوان واحداً من أهم المزارات المتميزة في حديقة الحيوان ويرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1906 وتقول عنه مديرة الحديقة إنه "الوحيد من نوعه في المنطقة ويعرض نوعيات مختلفة من الحيوانات المحنطة يصل عمر بعضها إلى ما يزيد على 100 عام إضافة إلى الزواحف والطيور، ويخصص جزءاً من المتحف للبيئات التي عاشت فيها الحيوانات، ويحتوي على مجموعة من الهياكل العظمية للحيوانات من عصور وأنواع مختلفة، فهو مزار مهم للمتخصصين والباحثين والجمهور العام على السواء".

في السينما

كانت حديقة الحيوان على مدار السنوات، بما تشمله من مواقع خلابة ومناظر طبيعية، موقعاً فريداً لتصوير الأفلام والأعمال الدرامية، وأشهرها فيلم "موعد غرام" إنتاج عام 1965 الذي شهد الأغنية الشهيرة "كان يوم حبك أجمل صدفة" حينما كانت فاتن حمامة تتنزه في الحديقة وتلتقط بعض الصور، وفيلم "إسماعيل ياسين في حديقة الحيوان" الذي تم إنتاجه عام 1957 وكان إسماعيل ياسين يقوم بدور حارس في الحديقة.

وفي حقبة الثمانينيات صورت مشاهد من فيلم "غريب في بيتي" إنتاج عام 1982 لنور الشريف وسعاد حسني من داخل الحديقة، ومن أشهر الأفلام التي ارتبطت بحديقة الحيوان أيضاً للفنان نور الشريف هو فيلم "آخر الرجال المحترمين" إنتاج عام 1984، حيث جسد الشريف دور مدرس يشرف على رحلة مدرسية قادمة من الريف لزيارة الحديقة، وتختفي طفلة أثناء الرحلة وتدور الأحداث حول البحث عنها، ومن الطريف أن هذا الفيلم كان له تأثير كبير في وعي البسطاء إذ امتنع كثير من الناس عن إرسال أطفالهم في رحلات مدرسية خوفاً أن يتم فقدهم كما دارت الأحداث في الفيلم.

000_APP2001041636712.jpg

تتبنى مصر في الفترة الأخيرة مشروعاً لتطوير الحدائق التراثية عموماً، من بينها حديقة الحيوانات بالجيزة، إذ يتم العمل على تطوير 14 حديقة على مستوى الجمهورية، بهدف إعادة الحدائق لرونقها وتزويدها بالخدمات المختلفة لتؤدي دورها كمتنفس ومتنزه مميز وقليل الكلفة، في متناول الجميع وفي الوقت ذاته يقدم خدماته بجودة عالية ويرتقي بقطاع الحدائق في مصر.