حديث في فضل الرباط بعسقلان

منذ 1 سنة 177

السؤال:

قرأت منذ زمن وجيز حديثا عن فضل عسقلان والرباط فيها، والحديث هو " «أول هذا الأمر نبوة ورحمة ثم يكون خلافة ورحمة ثم ملكا ورحمة ثم إمارة ورحمة ثم يتكادمون عليها تكادم الحمير فعليكم بالجهاد وإن أفضل جهادكم الرباط وإن أفضل رباطكم عسقلان» " .

وأسئلتي هي : 1. ماهي درجة هذا الحديث ؟
2. هل المقصود من هذا الحديث غزة ؟ لأني قرأت أن المدينتين تاريخيا واحدة، ودليل ذلك أن الإمام الشافعي رحمه الله أجاب حين سأل عن مسقط رأسه : تارة بغزة، وتارة أخرى بعسقلان .

الإجابة:

الحمد لله.

أولا:
غزة وعسقلان بلدتان كنعانيتان، دلت الحفريات المكتشفة على أنهما كانتا مأهولتين منذ العصر الحجري الحديث.
ويرجع أول ذكر عسقلان في التاريخ إلى نص فرعوني يعود إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد.

أما غزة: فهي مدينة عريقة أيضا، وقد تغير اسمها بتغير الأمم التي توالت عليها، فأطلق عليها الكنعانيون " هزاتي " والمصريون الفراعنة " غازاتو " و "غاداتو " والعبرانيون " عزة " والآشوريون " عزاتي ". أما العرب فقد أطلقوا عليها " حمراء اليمن " و " غزة " أو " غزة هاشم ".

وتقع مدينتا غزة وعسقلان جنوب فلسطين، وتقع غزة جنوب غرب عسقلان، وكانت غزة منذ الفتح الإسلامي حتى الغزو الصليبي تابعة لعسقلان، وعرفت بــــ " غزة عسقلان " وبين عسقلان وغزة أربعة فراسخ ( حوالي 21 كم )، وبين غزة ويافا 80 كم، وبين يافا وعسقلان 56 كم، ويفصل غزة وعسقلان عن بيت المقدس بلدة " بيت جبرين " وهي تبعد عن غزة أقل من مرحلتين، وبين بيت جبرين وعسقلان 32 كم.

انظر: "الحياة العلمية في غزة وعسقلان منذ بداية العصر العباسي حتى الغزو الصليبي" (ص2-5) د/ زهير عبد الله سعيد أبو رحمة.

فيتبين مما تقدم إلى أن غزة قريبة جدا من عسقلان، وقد كانت غزة تابعة لها منذ الفتح الإسلامي حتى الغزو الصليبي، ولذلك ذكر العلماء أن الإمام الشافعي رحمه الله ولد بغزة، وقيل بعسقلان،

قال النووي رحمه الله في "المجموع" (1/ 8):
" الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وُلِدَ بِغَزَّةَ، وَقِيلَ بِعَسْقَلَانَ، وَهُمَا مِنْ الْأَرَاضِي الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا، فَإِنَّهُمَا عَلَى نَحْوِ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ " انتهى.

ثانيا:
قال الطبراني - رحمه الله - في "المعجم الكبير" (11138):
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ النَّضْرِ الْعَسْكَرِيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ حَفْصٍ النُّفَيْلِيُّ، ثنا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ هَذَا الْأَمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ يَكُونُ خِلَافَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ إِمَارَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَتَكادَمُونَ عَلَيْهِ تَكادُمَ الْحُمُرِ فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جهادِكُمُ الرِّبَاطُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ عَسْقَلَانُ».
وقوله " عن ابن شهاب " تصحيف، والصواب " عن أبي شهاب " كما أورده السيوطي رحمه الله في "اللآلئ المصنوعة" (1/422) وهو أبو شهاب موسى بن نافع الحناط، وهو صدوق، وثقه ابن معين وغيره، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه "التهذيب" (10/375).

والذي يدل عليه أن موسى بن أعين لم يذكروا في شيوخه ابن شهاب، فكأنه لم يلقه، فإن بين وفاتيهما 53 سنة.
والحديث، قال الهيثمي رحمه الله في "المجمع" (5/190):
" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ ".
وقال الألباني رحمه الله:
" وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات؛ غير سعيد بن حفص النفيلي، ففيه كلام يسير، وقد وثقه ابن حبان (8/268)، وأخرج له في "صحيحه "ثلاثة أحاديث، والذهبي، والعسقلاني فقال: "صدوق تغير في آخر عمره ".
انتهى من " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (7/ 803).

وسعيد بن حفص النفيلي، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال علي بن عثمان النفيلي: مات يوم الجمعة في رمضان سنة سبع وثلاثين ومائتين، وقال مسلمة بن قاسم: ثقة، وقال أبو عروبة الحراني: كان قد كبر ولزم البيت وتغير في آخر عمره.
"تهذيب التهذيب" (4/ 17)
وقال العيني في "مغاني الأخيار" (3/ 558):
" صدوق، تغير في آخر عمره ".
وقال الذهبي في "الكاشف" (1/433): " ثقة ".
وأحمد بن النضر ثقة، توفي سنة 290 كما في " تاريخ بغداد " (6/413) وتوفي النفيلي سنة 237 كما تقدم، فيكون بين وفاتيهما 53 سنة، فيخشى أن يكون ابن النضر سمع هذا الحديث من سعيد بن حفص بعد كبره واختلاطه.

ولذلك قال الشيخ عبد الرحمن اليماني رحمه الله في تعليقه على هذا الحديث:
" سعيد بن حفص النفيلي، تغير في آخر عمره "
انظر: هامش "الفوائد المجموعة" (ص 431).
وقد روى الإمام أحمد (18406) عن حُذَيْفَة: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ» ثُمَّ سَكَتَ .
وحسنه الألباني في "الصحيحة" (5).
وروى الإمام أحمد (20445) عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ، ثُمَّ يُؤْتِي اللهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ» وهو حديث حسن.

فلعل ذكر عسقلان في حديث الترجمة غير محفوظ.
وقد ورد في فضل عسقلان عدة أحاديث كلها لا تصح.
راجع "الفوائد المجموعة" (ص429-432) بتعليق الشيخ اليماني.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" عَامَّةُ مَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ فَضْلِ عَسْقَلَانَ والإسكندرية أَوْ عَكَّةَ أَوْ قَزْوِينَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا يُوجَدُ مِنْ أَخْبَارِ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ بِهَذِهِ الْأَمْكِنَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ: فَهُوَ لِأَجْلِ كَوْنِهَا كَانَتْ ثُغُورًا؛ لَا لِأَجْلِ خَاصِّيَّةِ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَكَوْنُ الْبُقْعَةِ ثَغْرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرَ ثَغْرٍ: هُوَ مِنْ الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ لَهَا، لَا اللَّازِمَةِ لَهَا؛ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهَا دَارَ إسْلَامٍ أَوْ دَارَ كُفْرٍ، أَوْ دَارَ حَرْبٍ أَوْ دَارَ سِلْمٍ، أَوْ دَارَ عِلْمٍ وَإِيمَانٍ أَوْ دَارَ جَهْلٍ وَنِفَاقٍ؛ فَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ سُكَّانِهَا وَصِفَاتِهِمْ ".
انتهى من "مجموع الفتاوى" (27/ 53).

وقال أيضا:
" وَأَمَّا " عَسْقَلَانُ ": فَإِنَّهَا كَانَتْ ثَغْرًا مِنْ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ، كَانَ صَالِحُو الْمُسْلِمِينَ يُقِيمُونَ بِهَا لِأَجْلِ الرِّبَاطِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهَكَذَا سَائِرُ الْبِقَاعِ الَّتِي مِثْلُ هَذَا الْجِنْسِ، مِثْلُ " جَبَلِ لُبْنَانَ " و" الإسكندرية " وَمِثْلُ " عبادان " وَنَحْوِهَا بِأَرْضِ الْعِرَاقِ، وَمِثْلُ " قَزْوِينَ " وَنَحْوِهَا مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي كَانَتْ ثُغُورًا؛ فَهَذِهِ كَانَ الصَّالِحُونَ يَقْصِدُونَهَا؛ لِأَجْلِ الرِّبَاطِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (27/ 141).

وبتقدير صحة الحديث؛ فإنه يدل على فضل الرباط بعسقلان مطلقا، وكذا غزة؛ لأنها كانت تابعة لها كما تقدم، وكأن في ذلك إشارة إلى أنها تبقى ثغرا، زمانا طويلا.
والله تعالى أعلم.

  • 0
  • 0
  • 9