تعصب طائش من علّامة لمحمود محمد شاكر

منذ 1 سنة 149

يقول محمود محمد الطناحي في مقاله (محمود محمد شاكر والسهام الطائشة) المنشور في جريدة (الجيل) بتاريخ 6 ديسمبر (كانون الأول) 1998:
«ثم أترك الأستاذ نسيم لأصل إلى الأستاذ سمير غريب في كتابه الذي صدر أخيراً عن دار الشروق بعنوان (في تاريخ الفنون الجميلة)، وفي صفحة 79 منه ينقد مقالاً للأستاذ محمود شاكر، نشره في مجلة (الرسالة) بتاريخ 12 فبراير (شباط) 1940م، وكان محمود شاكر يرد على الدكتور طه حسين كلمة له عن الفن الفرعوني، والأستاذ سمير غريب لم يشهد تلك الأيام، فكأن هذه المقالة التي قضى عليها 58 عاماً قد دست إليه دسّاً للهجوم على الرجل (لاحظ أن ما ذكره سمير غريب في كتابه ص 81، عن رأي محمود شاكر في الفن الفرعوني، هو نفس ما ذكره نسيم مجلي ص 51 من كتابه. فنقول إن ما قاله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن امرأة قالت كلاماً لا يظن أن يكون منها: أما والله ما قالته ولكن قُوِّلته».
منطق عجيب وشاذ أن يقول به رجل يوصف عن حق بأنه علّامة. فلأن سمير غريب ولد بعد نشر رد محمود شاكر على كلمة طه حسين عن الفن الفرعوني بأربعة عشر عاماً، فقد استحال عنده عقلاً أن سمير غريب عرف بنفسه رد شاكر على كلمة طه حسين عن الفن الفرعوني!
فوفق هذا المنطق العجيب والشاذ، لا بد أن أحدهم دسّ الرّد إليه ليتسنى له - حسب تحامله عليه - الهجوم على محمود شاكر!
وهذا الأحد من الباحثين أومأ إلى أنه نسيم مجلي!
نسيم مجلي في مقاله (حب الشيخ شاكر أعمى محمود الطناحي فأخذ يضرب بغير علم: لويس عوض لم يكن عميلاً لحركات التبشير ولم يكد للإسلام) المنشور في جريدة (الجيل) في 7 فبراير 1999، أنكر تهمة أنه دسّ رد محمود شاكر على كلمة حسين عن الفن الفرعوني إلى سمير غريب، واتهم الأخير بأنه قد سرق منه، إذ قال: «فإذا كان سمير غريب قد استحل أن ينقل فقرة من كتابي، فقرة كاملة دون أن يذكر مصدرها اعتماداً على أنه موظف مشهور، وأن نسيم مجلي كاتب مغمور، فكيف يستحل الدكتور الطناحي تكرار هذه الأوصاف الملتوية والمستهلكة عن لويس عوض المسيحي الذي يحاول تدمير الأمة العربية الإسلامية، كيف يقف أستاذ مثله عند هذه الأقوال المرسلة، ويعيدها بعد كل ما كتب عن هذه الأمور؟».
لنحتكم إلى منطق الطناحي العجيب والشاذ:
رد محمود شاكر على كلمة طه حسين عن الفن الفرعوني، نشر في مجلة (الرسالة) بتاريخ 12 فبراير 1940، وفي هذا التاريخ كان عمر نسيم مجلي لا يتعدى ستة أعوام. ومن المؤكد أنه في هذا العمر لم يكن من قراء مجلة (الرسالة)، ومن المؤكد أيضاً أن هذا العمر لا يؤهله أن يكون «شاهداً على تلك الأيام»، وعليه أسأل: من دسّ ذلك الرد إلى نسيم مجلي ليتسنى له، هو - أيضاً بحسب تعبيره - الهجوم على محمود شاكر؟!
إن هذا السؤال الذي هو سؤال جوهري وفق منطقه العجيب والشاذ، أغفل الطناحي طرحه على نفسه، مع علمه بأن نسيم مجلي - بحسب ما أفصح عنه في الأسطر الأولى من مقدمة كتابه (صدام الأصالة والمعاصرة بين محمود شاكر ولويس عوض) - بدأت معرفته بمحمود شاكر مع قراءته لسلسلة مقالاته المنشورة في مجلة (الرسالة) ابتداءً من أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1964، حتى أواخر يوليو (تموز) 1965، في الرد على بحث لويس عوض (على هامش الغفران)، المنشور في جريدة (الأهرام) بين 16 أكتوبر (تشرين الأول) و11 ديسمبر 1964.
ثم هناك مسألة أخرى، أغفلها الطناحي أيضاً، وهي أن ما كتبه محمود شاكر عن الفن الفرعوني أورده سمير غريب ضمن كتابات أخرى لأعلام مشاهير، تواريخها تقع ما بين عامي 1922 و1949، وفي هذه الأثناء من الأعوام لم يكن سمير غريب مولوداً بعد (سمير غريب من مواليد عام 1954)، فلماذا لم يثر حول معرفته بما كتبه هؤلاء الأعلام المشاهير تهمة أنها مدسوسة إليه؟! ولماذا اقتصرت هذه التهمة حول معرفته برد شاكر على كلمة طه حسين عن الفن الفرعوني؟!
إن منطق الطناحي ظاهر السخف. ولأنه ظاهر السخف، فإنني تناولته بما يستحقه من عبث واستهزاء به. ولاشك أن الذي أوقع علّامتنا في السخف الظاهر في منطقه تعصبه الطائش لمحمود شاكر.
يختلف الأمر في اتهام نسيم مجلي لسمير غريب بسرقة فقرة كاملة من كتابه (صدام الأصالة والمعاصرة بين محمود شاكر ولويس عوض)؛ لذا فإني سأتناول اتهامه هذا بجدية للتحقق من صحته.
الفقرة الكاملة التي ادعى أن سمير غريب سرقها من كتابه، هي استشهاده بقول محمود شاكر في رده على كلمة طه حسين: «إن الفن المصري الفرعوني - على دقته وروعته وجبروته - إن هو إلا فن وثني جاهلي قائم على التهاويل والأساطير والخرافات التي تمحق العقل الإنساني». وعرضه لقول لمحمود شاكر وارد في فقرة تالية من رده، بهذه الصيغة:
«وأن تمثال نهضة مصر لمختار، الذي مجده الممجدون وتغنى به أصحاب النظرات الضيقة المحدودة، لا يرى فيه إلا تقليداً لآثار حضارة قد دثرت وبادت».
في الاستشهاد والعرض، أحال نسيم مجلي في حاشية كتابه إلى دراسة الدكتور محمد حسن عواد (محمود محمد شاكر، مفكراً إسلامياً) المنشورة ضمن كتاب (دراسات عربية وإسلامية مهداة إلى أديب العربية الكبير أبي فهر بمناسبة بلوغه السبعين).
فنسيم مجلي في استشهاده وعرضه التزم بالنقل الحرفي من هذا المرجع الوسيط. ولا يوجد اختلاف إلا في التقديم للاستشهاد. فالدكتور محمد حسن عواد قدم له بهذه الجملة الإسلامية الراديكالية: «وهو حرب على الجاهلية الوثنية بكل أشكالها، كالفرعونية ونحوها من الوثنيات التي طمرها الإسلام بفيضه وهدايته ويقرر بكل ثقة». ونسيم مجلي قدم له بجملة أخرى مضادة، هي: «ولا يذكر تاريخ مصر الفرعونية إلا في مجال المخاصمة والعداء، ولا يوجه لهذا التاريخ سوى المقت الشديد، فهو يعتبر الحضارة الفرعونية من الوثنيات التي طمرها الإسلام ويقرر».
وفيما يتعلق بالاستشهاد، قدّم له سمير غريب في كتابه (في تاريخ الفنون الجميلة) بقوله: وعلى ذلك يقرر محمود محمد شاكر في النهاية ما كان يود تقريره منذ البداية الأولى، وهو «أن الفن المصري الفرعوني - على دقته وروعته وجبروته - إن هو إلا فن وثني جاهل (كذا) قائم على التهاويل والأساطير والخرافات التي تمحق العقل الإنساني، فهو إذن لا يمكن أن يكون مرة أخرى في أرض تدين بدين غير الوثنية الفرعونية الطاغية - سواء كان هذا الدين يهودياً أم نصرانياً أم إسلامياً أم غير ذلك من أشباه الأديان».
يعلق سمير غريب على قول شاكر الذي استشهد به، فيقول: وهكذا بوضوح يصل شاكر إلى ربط الفن بالدين، لا كدراسة تاريخية من حيث بداياته، ولا كدراسة فنية من حيث جمالياته، وإنما كدراسة دينية من حيث تحليله وتحريمه.
لأنه طالما ارتبط الفن الفرعوني بالوثنية والكفر، فإنه بلا شك حرام، ويجب ألا يهتم به الآن. والدليل على ذلك يعطينا إياه شاكر أيضاً في الفقرة التالية عندما يتحدث عن تمثال نهضة مصر، رغم وصفه المثّال مختار بالمثّال القدير. فشاكر لا يرى في هذا التمثال «إلا تقليداً فاسداً لآثار حضارة قد دثرت وبادت، ولا يمكن أن تعود في أرض مصر مرة أخرى بوثنيتها وأباطيلها وأساطيرها وخرافاتها. نعم هو تقليد رائع، يدل على قدرة الفنان الذي نحته، ولكنه لا معنى له الآن في مصر الإسلامية».
يعلق سمير غريب على استشهاده الثاني بقول محمود شاكر، فيقول: والأدهى من ذلك تساؤلات شاكر من عينة: «هل يستطيع الفنان الذي نحته وأقامه أن يعيد في مصر تاريخ الوثنية الجاهلية، واجتماع الحضارة الفرعونية؟... إلخ». ويعود شاكر ليضيف: «روح الفن هي دين المجتمع وعقائده وطبيعة أرضه وسائر أسباب حضارته، وهي التي تمنح الفنان القوة والقدرة على الإبداع، وهي التي ترفع فنه أو تضعه».
ويختم تعليقه بهذه الأسئلة:
إذن ماذا يريد محمود محمد شاكر؟
هل يريد فنّاً إسلامياً؟ وكيف يكون هذا الفن؟ أم أنه لا يريد فنّاً على الإطلاق؟
ويجيب عنها بقوله: هذا للأسف لم يوضحه شاكر، لا في هذه المقالة الفريدة ولا في غيرها.
وكما نرى، فإن استشهاد نسيم مجلي بقول محمود شاكر محدود باستشهاد الدكتور محمد حسن عواد بهذا القول. أما استشهاد سمير غريب بقول شاكر فقد حوى زيادةً غير موجودة في استشهاد الدكتور محمد حسن عواد به، مرجع نسيم مجلي الوسيط. كما أن قول شاكر الذي عرضه الأخير ملخّصاً له، أورده سمير غريب كاملاً بين علامتي تنصيص على سبيل الاستشهاد به. أضف إلى هذا أنه أورد استشهادات أخرى مما كتبه محمود شاكر، بلغ عددها خمسة استشهادات.
قد تكونون انتبهتم إلى أن الثلاثة: نسيم مجلي والدكتور محمد حسن عواد وسمير غريب، تكرر عندهم قبل إيراد الاستشهاد بقول شاكر، استعمال فعل «يقرر».
وشرحاً لتكرر استعمال هذا الفعل عند هؤلاء الثلاثة، أقول:
الأول استعمله احتذاء بالثاني: والثاني والثالث استعملاه لأن محمود شاكر قال قبل قوله المستشهد به: «وعلى ذلك فيجب أن نقرر».
إن الفرق بين سمير غريب ونسيم مجلي أن الأول رجع إلى المصدر الأصلي، والثاني اكتفى بالرجوع إلى مرجع وسيط، وهو دراسة الدكتور محمد حسن عواد (محمود محمد شاكر، مفكراً إسلامياً).
ولأن سمير غريب رجع إلى المصدر الأصلي أورد معلومة توضح السياق والمناسبة لما كتبه شاكر.
المعلومة هي، كما قال: «كان شاكر يحرر لفترة باب (الأدب في أسبوع) في مجلة (الرسالة). وقد أدلى بدلوه أيضاً وعبر عن آرائه في الفن، وذلك بمناسبة نشر كلمة للدكتور طه حسين جعل فيها الفن الفرعوني أحد العناصر في (الغذاء الروحي والعقلي للشباب)».
وأضيف إلى ما قاله سمير غريب أن ما كتبه محمود شاكر بدأه بقوله: «كنت أرجأت الحديث عن (الفن الفرعوني) الذي أراد طه حسين أن يجعله أحد العناصر في (الغذاء الروحي والعقلي للشباب) في عصرنا هذا».
وفي العدد السابق من مجلة (الرسالة)، عدد 344، الصادر بتاريخ 5 فبراير 1940، وفي باب (الأدب في أسبوع)، كان قد نشر الجزء الأول من رده على كلمة طه حسين. والذي افتتحه بقوله متهكماً: «ألقى الدكتور طه حسين في قاعة الجامعة الأميركية كلمة أُريد عليها، كما قال في أول كلامه، فاستغرقت هذه الكلمة من الوقت ساعة أو أشف قليلاً، وافتتحت بالتصفيق الشديد للدكتور طه حين خرج على الناس ليتكلم!!
ولست هنا في مقال التلخيص لهذه الكلمة، ولكني بالمكان الذي يجب عليَّ فيه أن أشق للقراء موضوع الرأي الذي ينبغي لهم أن يشغلوا به ولو ساعة من نهار، كما شغل الدكتور طه سامعيه ساعة من ليل يوم الاثنين 29 يناير (كانون الثاني) سنة 1940».
هذا الجزء من الرد على كلمة طه حسين في قاعة الجامعة الأميركية، قسّمه إلى العناوين التالية: الغذاء العقلي والروحي للشباب، الأغنياء والفقراء، الدولة والثقافة، عناصر الثقافة المصرية.
في العنوان الأول قال: «وقد حدد الدكتور طه ألوان الغذاء الروحي والعقلي الذي يجب أن يقدم للشباب، فجعله مركباً من ثلاثة عناصر: العنصر المتحدر من تاريخ مصر القديم - الفرعوني - وهو الفن؛ والعنصر المتغلغل في مصر الإسلامية، وهو الدين والآداب والفن العربي الإسلامي؛ والعنصر الملتبس بحياتنا الحاضرة منذ اتصلنا بغيرنا من الأمم التي نتعاون معها أو ننافسها، وهو العنصر الأوروبي الجديد».
وقال عن العنصر الأول، الذي يرى طه حسين أنه يجب أن تقوم عليه الثقافة المصرية لدى الشباب المصري: «أما العنصر الأول، وهو الفن الفرعوني القديم، فأنا أدعه للكلمة الآتية، فإن اللبس كثير فيه، وقد زل على مزالقه أكثر أصحابنا ممن فتنوا به عن صواب الرأي. وأنا أحب أن أتناوله بالبيان الذي يدفع عن مصر شرّاً كثيراً، ويحقق لها ما نتمناه جميعاً من الخير».
في العدد التالي، عدد 345، الصادر بتاريخ 12 فبراير 1940، خص العنصر الأول بتعليقه النقدي، وقسّم تعليقه النقدي إلى ثلاثة عناوين، هي: الفن، الفن الفرعوني، تمثال نهضة مصر.
وهناك عنوان رابع (وبشر أيضاً !!) لا صلة له بهذا الموضوع، إنما هو استكمال لما كتبه عن قصيدة بشر فارس (الناي) في عدد 343 الصادر بتاريخ 29 يناير 1940 في الباب الذي يحرره في مجلة (الرسالة). القصيدة نشرت في العدد 341، الصادر بتاريخ 1940 ومدار مناقشة محمود شاكر كان حول الاستهلال الذي كتبه بشر فارس لقصيدته (الناي)، والذي قال فيه: «هذه الأغنية منظومة على بحرين مختلفين رغبة في تنويع مجرى النغم، والبحر الأول وضعه الشاعر، وأجزاؤه: فاعلاتن مفاعلتن (مرتين)، وليكن اسمه: المنطلق. وأما البحر الثاني فمن البحور المعروفة».
هذا الباب، باب (الأدب في أسبوع) حرره محمود شاكر، بتكليف من رئيس تحرير مجلة (الرسالة)، أحمد حسن الزيات، وابتدأ بتحريره من العدد 339، والذي تحدث فيه عن منهجه في تحريره لهذا الباب.
بالقدر الذي يرفض محمود شاكر أن يكون الفن الفرعوني العنصر الأول في الغذاء الروحي والعقلي الذي يجب أن يتلقاه الشباب المصري، فهو يرفض أن تكون المدنية الأوروبية العنصر الثالث في ذلك الغذاء؛ لأنه يرى أنها مدنية مسيحية استناداً إلى كلمة قالها ملك إنجلترا جورج السادس في خطبة ألقاها يوم 25 ديسمبر سنة 1939 في الاحتفال بعيد المسيح، وهي: «إني أؤمن من أعماق قلبي بأن القضية التي تربط شعوبي معاً، وتربطنا بحلفائنا المخلصين الأمجاد، هي قضية المدنية المسيحية. وليس ثمة قاعدة أخرى يمكن أن تبنى عليها مدنية صحيحة».
وبالاتكاء على هذه الكلمة جادل طه حسين، بأنه كأنما يدعو إلى «تنصير الإسلام»!! وللتخفيف من حدة اتهامه هذا، أردف قائلاً: «وما أظن الدكتور طه يرضى أن نصير هذا المصير».
واتفق مع طه حسين في العنصر الثاني، وهو العنصر العربي الإسلامي من الدين والأدب والفن، بل أطرى طه حسين لذكره هذا العنصر، قائلاً: «فقد أجاد الدكتور طه بالعناية به؛ لأنه أصل المدنية». وخالفه أن يتابع الاجتماع العربي أو الإسلامي تطور المدنية الحديثة.
نظرية المزج بين العناصر الثلاثة التي ذكرها طه حسين، قال بها في الإجابة عن سؤال طرحته مجلة (الهلال) عدد 1 أبريل (نيسان) 1931، عليه وعلى منصور فهمي وعلي عبد الرازق والشاعر أحمد شوقي وعلي إبراهيم وهدى شعراوي ومحمد شرف. والأخير كان طبيباً، وعرف اسمه في ذلك العقد بأنه صاحب كتاب (القاموس الطبي). السؤال هو: حضارتنا القادمة: فرعونية أم عربية أم غربية؟
الدكتور محمد حسن عواد اطلع على المصدر الأصلي، لكن ليس من شأن دراسته أن تذكر السياق والمناسبة لقول شاكر الذي استشهد به، ولقوله الآخر الذي لخّصه، لأنه في القسم الأول من دراسته كان يبين بإطراء أصولي «أن طريقة تفكير الأستاذ شاكر طريقة إسلامية خالصة لا يشوبها شيء من شوائب المزج أو الترقيع».
أما نسيم مجلي فلقد كان واجباً عليه أن يرجع إلى المصدر الأصلي، ليذكر السياق والمناسبة لقولي شاكر: المستشهد به والملخّص؛ لأنه يدخل في صميم كتابة (صدام الأصالة والمعاصرة بين محمود شاكر ولويس عوض)، وتحديداً يدخل في الفصل الثالث من هذا الكتاب (شاكر ومفهومه للأصالة الثقافية).
فهذا الفصل قصره على صدام محمود شاكر مع طه حسين حول قضية الشعر الجاهلي، مع أن هذه القضية كتب فيها وعنها الكثير من المقالات والدراسات والكتب، بينما مشادته مع طه حسين حول جعل الفن الفرعوني والمدنية الحديثة من عناصر الثقافة المصرية، لم يكتب عنها سوى سمير غريب.
سلامة موسى أدلى بدلوه فعلق على ما كتبه محمود شاكر عن الفن الفرعوني وتمثال نهضة مصر ونشره في مجلة (اللطائف المصورة)، وكان مضمون تعليقه - إذا استثنينا نقطة واحدة فيه - ساذجاً وسطحياً. وهذا المضمون الساذج والسطحي يفصح عنه بجلاء عنوان تعليقه (تعارض التيارات الفكرية وضررها على التطور الاجتماعي). وقد رد على تعليقه محمود شاكر في الباب الذي يحرره في مجلة (الهلال) بتاريخ 8 أبريل 1940، العدد 354.
لقد فوّت نسيم مجلي على كتابه الرجوع إلى المصدر الأصلي، مع أن الرجوع إليه كان سهلاً، فالدكتور محمد حسن عواد أحال إليه في الهامش، بقوله: انظر مجلة (الرسالة)، السنة الثامنة، العدد 345.
أخشى أن يرد عليَّ نسيم مجلي قائلاً: إن الرجوع إليه لم يكن ميسراً؛ لأن الدكتور محمد حسن عواد لم يذكر تاريخ اليوم، ولا اسم الشهر، ولا تاريخ العام الذي كتب فيه شاكر عن الفن الفرعوني وتمثال نهضة مصر.
إن اتهام نسيم مجلي لسمير غريب بسرقة فقرة كاملة من كتابه يعتمد فقط على أن كتابه صدر قبل كتاب سمير غريب بشهر أو شهرين أو ثلاثة أو عدة أشهر في عام 1998.
والطريف في اتهامه أنه قدم عكس ما ادعاه، فهو قد قدم حالة من الحالات التي يتجنى فيها «كاتب مغمور» على «موظف مشهور». هذا إذا التزمنا استعمال ما وصف به سمير غريب وما وصف به نفسه.
أعود إلى منطق الطناحي العجيب والشاذ، فأقول: في قائمة مراجع كتاب (في تاريخ الفنون الجميلة)، كانت أعداد مجلة (الرسالة) منذ صدورها في يناير عام 1933 حتى عام 1949، من بين المصادر التي اعتمد عليها سمير غريب في كتابه، فهل سيشق عليه أن يعثر على رد محمود شاكر على كلمة طه حسين عن الفن الفرعوني، من دون مساعدة «دسّاس» يرشده إلى مكانه في عدد بعينه من أعداد مجلة (الرسالة)؟!
إن التهمة السخيفة التي وجهها الطناحي لسمير غريب تنطوي على احتقار شديد لشأن هذا الرجل من ناحية قدرته على البحث التنقيب.
إن الطناحي كان مساهماً في الكتاب التكريمي عن محمود شاكر بدراسة هي: (أرجوزة قديمة في النحو لليشكري)، ولا بد أنه قرأ دراسة الدكتور محمد حسن عواد: (محمود محمد شاكر، مفكراً إسلامياً). في هذا الكتاب وهو يعرف أن نسيم مجلي نقل الاستشهاد والتلخيص من هذه الدراسة. فلماذا - وفق منطقه العجيب والشاذ - لم يتهم الدكتور محمد حسن عواد بأنه دسّهما إلى نسيم مجلي في كتابيه: (لويس عوض ومعاركه الثقافية)، و(صدام الأصالة والمعاصرة بين محمود شاكر ولويس عوض)؟
أَلِأَنَّ هذا الأكاديمي الأردني، المختص بالنحو، منغمس بالإيمان في المقولات الإسلامية الإنشائية المحدثة حتى قاعها الأصولي؟
ولأنه كذلك -حسب معتقد الطناحي التاوي في صدره- فلن يدسّهما إلى مسيحي قبطي، كنسيم مجلي. وللحديث بقية.