تأجير الغرف المنزلية يسحب البساط من الفنادق في لبنان

منذ 4 أشهر 67

ملخص

 تواجه السياحة في لبنان تحديات كبيرة مع تأثير منصات الإيجار القصير الأجل مثل "إير أن بي" (Airbnb) وسط دعوة إلى تنظيم هذه المنصات وإخضاعها للضرائب والرقابة لضمان المنافسة الشريفة.

تواجه السياحة في لبنان تحديات متزايدة في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتردية، مما دفع الجهات المعنية إلى البحث عن حلول مبتكرة لتنظيم القطاع.

وفي هذا السياق يبرز الإشكال الذي طرحه رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر في شأن تأثير منصات الإيجار القصير الأجل مثل "إير أن بي" (Airbnb) على القطاع الفندقي التقليدي، فخلال اجتماع مع وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي بحث الأشقر ضرورة تنظيم هذه المنصات وإخضاعها للضرائب والرقابة الأمنية لضمان العدالة والمنافسة الشريفة، فإلى أي مدى تؤثر خدمات الإيجار القصير الأجل في قطاع الضيافة في لبنان؟

نشأة الـ "Airbnb" عالمياً

والـ "Airbnb" منصة إلكترونية تتيح تأجير واستئجار السكن قصير الأجل تأسست عام 2007 على يد بريان تشيسكي وجو جيبيا وناثان بليتشارزيك.

وبدأت الفكرة عندما أجر المؤسسون جزءاً من شقتهم في lمدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأميركية، ونجحت الفكرة مما دفعهم إلى تطويرها وتوسيعها عالمياً، لتصبح اليوم أساسية في عالم السياحة، وفي معظم دول العالم وإن بشكل متفاوت.

وتوفر المنصة تجربة إقامة محلية متنوعة ومرنة مما أثر بشكل كبير في قطاع الضيافة التقليدي. 

وبحسب "ستاتيستا"، وهي شركة ألمانية متخصصة في بيانات السوق والمستهلكين، فإن هناك أكثر من 5000 مضيف على موقع Airbnb يؤجرون العقارات في مختلف أنحاء العالم، فيما تم حجز قرابة 448 مليون غرفة عبر المنصة عام 2023. 

ش.jpeg

نشأة الفكرة في لبنان

 وفي الماضي اعتاد اللبنانيون تأجير منازلهم الخاصة لفترة قصيرة خلال موسم الصيف وبخاصة للسياح العرب، وكانت هذه العملية تحدث من دون استخدام التطبيقات الإلكترونية، ولم تكن تشكل تهديداً لقطاعي الفنادق والشقق المفروشة.

ومع ظهور التطبيقات مثل "Airbnb"، التي تعمل كوسيط بين السياح وملاك المنازل، دخلت الفوضى والعشوائية إلى القطاع الفندقي مما شكل تهديداً للفنادق والشقق المفروشة التي تعاني التراجع والانهيار.

وفي حديث خاص إلى "اندبندنت عربية" أوضح المهندس المعماري فيصل تمراوي، وهو مالك 15 شقة تجارية في بيروت يقوم بتأجيرها عبر المنصة، أن "Airbnb" تعمل كأية منصة أخرى للحجز عبر الإنترنت، سواء للفنادق أو المنازل، وتوفر خيارات عدة تناسب مع جميع الموازنات، مشيراً إلى أنها ليست بجديدة ولكنها شهدت زيادة في الطلب بعد الأزمة المالية، إذ بدأ الناس في البحث عن مصادر دخل إضافية بسبب تردي الأوضاع المادية.

وأضاف أن المغتربين اللبنانيين غير المقيمين في البلاد بدأوا يستفيدون من الشقق التي يمتلكونها عبر هذه المنصة لتوفير دخل إضافي لأهلهم، مشيراً إلى تجربته الشخصية "حين حول عدداً من المكاتب التجارية التي كنت أمتلكها إلى وحدات سكنية عبر "Airbnb"، كما نصحت أحد أقاربي بتحويل شقته غير المستخدمة في منطقة الروشة في بيروت إلى شقة مفروشة، واليوم نحن ندير 20 شقة حالياً".

ولفت تمراوي إلى أن المنصة توفر مرونة أكبر من الإيجار التقليدي وتحقق عائدات أعلى على المدى القصير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن التحديات التي تواجه هذا القطاع أشار الى أن المنصة تواجه تحديات مشابهة لباقي القطاعات بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد أثرت في نشاط "Airbnb" والفنادق معاً.

وعن المزايا التي يراها في استخدام المنصة مقارنة بالإيجار التقليدي أو التشغيل كفندق، أكد تمراوي أن المنصة تدفع الضرائب مثلها مثل المنصات كافة، إلا أن الخدمات المقدمة عبرها أرخص بكثير من تلك المقدمة في الفنادق.

وأوضح أن عدد الموظفين في الفنادق قد يصل إلى 100 موظف، بينما في "Airbnb" يقتصر العدد على 10، مما يجعل كلفة التشغيل أقل، كما أن الفنادق تتكبد كلفاً أعلى في تشغيل المولدات الكهربائية مقارنة بمنصات الإيجار التي تعتمد على عدادات الكهرباء، مما يجعل الموازنة أكثر ملاءمة.

وأشار إلى أن الأذواق تختلف، إذ يفضل بعضهم المسابح والنوادي الرياضية وخدمة الغرف في الفنادق، بينما يفضل آخرون الخصوصية التي توفرها الشقق المفروشة.

جدل حول المنصة

 بدوره أعرب رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر عن قلقه على القطاع الفندقي، إذ أكد تراجع نسبة التشغيل في الفنادق ما بين 35 و45 في المئة خلال الأعوام السابقة إلى 15 و25 في المئة في الوقت الحالي.

وتطرق الأشقر إلى التحديات التي يواجهها القطاع بسبب نمو منصات الإيجار القصير الأجل مثل Airbnb، التي تضم الآن نحو 10 آلاف غرفة مقارنة بـ 35 إلى 38 ألف غرفة فندقية تقليدية، مؤكداً ضرورة تنظيم هذا القطاع ليخضع للرقابة المالية والأمنية، بخاصة أنه يتخلف عن سداد الضرائب ولا يصرح عن رقمه المالي، إضافة إلى أهمية ربطه بالأمن العام اللبناني واتباع الإجراءات الأمنية التي تقوم بها الفنادق، مثل إرسال صور عن جوزات سفر النزلاء إلى الأمن العام حفاظاً على والأمان.

ل.jpeg

خسائر القطاع

وأشار الأشقر إلى تأثير انهيار الاقتصاد عام 2019 على الوضع الراهن، إضافة إلى أن خسائر القطاع السياحي منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وحتى الآن تصل إلى مئات ملايين الدولارات، قائلا أن ما يهمنا اليوم هو أن تتوقف الحرب مما سيخفف قليلاً الضغط علينا حتى مع وجود منافسة من منصات مثل "Airbnb".

بدوره أوضح تمراوي أن "الجدل الحالي حول المنصة يعود لانتقادات أصحاب الفنادق، إلا أن العاملين في هذا المجال يتأثرون أيضاً، لافتاً إلى أنه قبل السابع من أكتوبر، أي اندلاع الحرب في غزة، كانت الشقة تدر دخلاً شهرياً يتراوح بين 800 و1000 دولار موزعاً على 15 شقة، ومع ذلك أكد أن هذا الدخل يمثل النمو وليس الربح الصافي، إذ إن الربح الصافي يتراوح ما بين 20 و25 في المئة فقط وهو نسبة قليلة، ومشيراً إلى أن الهجوم علينا غير منطقي، إذ إنه لا يعيش حياة مرفهة ويهدف فقط إلى الاستمرار.
 

نمو قطاع الـ "Airbnb"

وأوضح تمراوي أن كلفة الإيجار خلال موسم الذروة المؤلفة من غرفة نوم واحدة مع غرفة جلوس ومطبخ تبلغ 80 دولاراً في الليلة، مقارنة بما يتراوح بين 40 و45 دولاراً خلال الموسم المنخفض في ما قبل السابع من أكتوبر 2023.

وتابع، "هذه الكلفة مناسبة جداً مقارنة بأسعار الفنادق التي تعتبر مرتفعة للغاية، مما يدفع بعضهم إلى التوجه نحو تركيا بدلاً من الإقامة في فنادق لبنان، مؤكداً أن هذه الأسعار مناسبة للسائحين العرب واللبنانيين المغتربين.

أمنياً ومالياً أشار تمراوي إلى أن جميع جوازات السفر للضيوف تقدم للأمن العام، لافتاً في الوقت ذاته إلى "أننا مسجلون في المالية وندفع الضرائب السنوية المستحقة، وأن هناك بعض المؤجرين الذين لا يقدمون حساباتهم المالية ولا يدفعون الضرائب، مما يزيد أهمية التنظيم والرقابة".

وبما أن تطبيق الـ "Airbnb" أجنبي فإنه يعتقد أن بدلات إيجار البيوت المعروضة على التطبيق لا تدفع عبر لبنان، فيما يحصل أصحاب المنازل أموالهم عبر حسابات خارج لبنان.

س.jpeg

ويقول تمراوي إن "هذا غير صحيح، فجميع الأموال التي نحصل عليها تدخل إلى النظام المصرفي اللبناني، وندفع الضرائب عليها مثل أية ضريبة أخرى".

وفي ما يخص الدعوات إلى تنظيم عمل "Airbnb" بشكل أفضل، بما في ذلك تطبيق التراخيص المحلية وتعديل الضرائب، يطالب تمراوي بإنشاء نقابة لشقق المنصة لتنظيم هذا القطاع، بخاصة أننا نسهم بشكل كبير في تحريك الاقتصاد المحلي من خلال تحويل أموال كبيرة داخل البلد، إضافة إلى توفير فرص عمل للبنانيين في مجالات تنظيف المنازل والمصابغ وغيرها، مما يعزز الحركة الاقتصادية وإن بشكل نسبي.

مسؤولية البلديات

يعتبر الأشقر أن المسؤولية لا تقع وحدها فقط على وزارة الداخلية بل أيضاً على البلديات، وهو ما أوضحه عضو مجلس بلدية بيروت محمد سعيد فتحة في حديث خاص، إذ أشار إلى أن كثيراً من الجهات تفتح مؤسساتها من دون الحصول على التراخيص اللازمة، وهو ما يعد مخالفة للقوانين والأنظمة.

وأشار إلى أن المجلس البلدي طالب مراراً محافظ بلدية بيروت القاضي مروان عبود بإرسال فرق بلدية مدعومة من الحرس البلدي للكشف عن هذه المؤسسات واتخاذ الإجراءات المناسبة، إلا أنه لم يتم تنفيذ أي شيء حتى الآن.

من جهته صرح محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود بأنه لا يوجد حالياً قانون ينظم الظاهرة الجديدة للإيجارات القصيرة الأجل عبر "Airbnb"، بعكس الفنادق التي تتمتع بإطار قانوني واضح ينظم عملها.

وأكد أن دور السلطة التنفيذية يقتصر على تنفيذ القوانين الموجودة، وأنها ليست الجهة المخولة بوضع القوانين.

وتابع، "إن مهمة وضع وتنظيم القوانين تقع على عاتق الجهات التشريعية، أي المجلس البلدي بصفته، وهي التي ينبغي أن تتولى تنظيم هذا القطاع المستجد لضمان تحقيق العدالة والمساواة في تطبيق القوانين على جميع الجهات المعنية.

القطاع السياحي والتوقعات

وعن الوضع الراهن لقطاع السياحة في لبنان قال الأشقر "قبل أن نتحدث عن وضع القطاع يجب أن ندرك أننا في حال حرب، والقصف الإسرائيلي في الجنوب أسفر عن هدم 1800 منزل وأكثر من 500 قتيل وتشريد أكثر من 100 ألف شخص"، مؤكداً أنه "لا يجب أن ننسى هذه الأوقات الصعبة".

وعن توقعاته لهذا الموسم أشار الأشقر إلى أنه "منذ بدء الحرب في غزة حظرت معظم دول العالم سفر رعاياها إلى لبنان مما سيؤثر في السياحة هذا الصيف"، ولافتاً إلى أنه "خلال العام الماضي كان لدينا حوالى 30 في المئة من الأجانب، ولكنهم لن يأتوا هذا العام وسنكتفي بالحفلات والمهرجانات المحلية لأننا نؤمن بقدرتنا على الاستمرار على رغم الظروف، أما الزوار المتوقعون الآن فهم المغتربون اللبنانيون المقيمون في الخليج وأفريقيا وأوروبا وأميركا، ولكن الأعداد لن تكون مثل عام 2023".