بلورات قديمة تكشف عن أقدم دليل لوجود المياه العذبة على الأرض

منذ 3 أشهر 136

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كشف تحليل جديد لحبيبات الكريستال القديمة الموجودة في صخور المناطق الأسترالية النائية عن أنّ الأرض كانت مؤلفة من  أراضٍ جافة ومياه عذبة قبل حوالي 4 مليارات سنة، وهي الحقبة التي اعتقد العلماء فيها بأنّ المحيطات كانت تغطي الكوكب بالكامل.

أشارت الأدلة الكيميائية الموجودة في البلورات أنّ الصخور الساخنة المنصهرة التي نشأت فيها تلامست مع المياه العذبة أثناء تكوين البلورات، بحسب ما ذكرته دراسة نُشرت في مجلة "Nature Geoscience"، الإثنين.

وأفاد حامد جمال الدين، مؤلف الدراسة الرئيسي، وهو زميل باحث مساعد بكلية الأرض وعلوم الكواكب في جامعة كيرتن بأستراليا، وأستاذ مساعد في جامعة خليفة بدولة الإمارات العربية المتحدة، في بيان صحفي: "من خلال فحص العمر ونظائر الأكسجين في بلورات صغيرة من معدن الزيركون، وجدنا بصمات نظائرية خفيفة بشكل غير عادي يعود تاريخها إلى أربعة مليارات سنة مضت.. عادةً ما تكون نظائر الأكسجين الخفيفة هذه نتيجة للمياه العذبة الساخنة التي تغيّر الصخور على عمق كيلومترات عدة تحت سطح الأرض". 

أوضح جمال الدين أنّ الدليل على وجود المياه العذبة لا يمكن تفسيره إلا بوجود الأراضي الجافة، حيث تتجمّع المياه، وتتسرّب إلى القشرة القارية.، مضيفًا: "اكتشفنا أقدم دليل على وجود المياه العذبة وأدلة تمثيلية على الأراضي الجافة فوق البحر".

وورد في البحث أنّ دورة المياه على الأرض (عندما تتحرك المياه بين الأرض والمحيطات والغلاف الجوي من خلال التبخر وتساقط الأمطار)، كانت تعمل في ذلك الوقت.

ولفت الباحثون إلى أنّ هذا الاكتشاف يعني أن نسخة أصول الحياة كانت موجودة بعد أقل من 600 مليون سنة من تكوين الأرض، أي قبل وقت طويل من ظهور الديناصورات أو حتى أقدم حياة ميكروبية معروفة. 

وقال جمال الدين إن أقدم دليل متفق عليه على نطاق واسع عن الحياة - والمياه العذبة - يأتي من الستروماتوليت، وهي ميكروبات متحجرة شكلت أكوامًا في الينابيع الساخنة قبل 3.5 مليار سنة.

وأشار هوغو  أولييروك،المؤلف المشارك في الدراسة، و زميل أبحاث كبير بكلية كيرتن لعلوم الأرض والكواكب في بيان، إلى أن هذا الاكتشاف لا يلقي الضوء على التاريخ المبكر للأرض فحسب، بل على الكتل الأرضية والمياه العذبة التي مهدّت الطريق لازدهار الحياة خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًا، تقل عن 600 مليون سنة، بعد تشكل الكوكب"..

وأضاف: "تمثل النتائج خطوة مهمة متقدمة في فهمنا لتاريخ الأرض المبكر، وتفتح الأبواب لمزيد من الاستكشاف في أصول الحياة".

الأرض والمياه تحتوي حبات الزركون على نظائر الأكسجين التي تكشف معلومات عن البيئة التي تشكلت فيها.Credit: Hamed Gamaleldien


مدخل إلى كوكب الأرض البدائي

يُعد عصر الهاديان، بين4.5 و4 مليار سنة، أول فصل في تاريخ الأرض، وعصر جيولوجي مظلم غير مفهوم كثيرًا، لأن الجيولوجيين ببساطة ليس لديهم صخور قديمة للدراسة: ويبلغ عمر أقدم الصخور المعروفة 4 مليارات عام. كيف إذا تعمل بلورات الزيركون كبوابة إلى تاريخ الكوكب البدائي؟ 

تتميز الحبيبات المعدنية الصغيرة بالصلابة تحديدًا، ويمكن تثبيتها في الصخور الأصغر سنًا. تم العثور على الزيركون بالدراسة في الحجر الرملي البرتقالي الذي يبلغ عمره 3.1 مليار عام، في تكوين جاك هيلز، وهو نتوء من الصخور التي تعرضت للعوامل الجوية في غرب أستراليا.

ما يجعل الزيركون مفيدًا بشكل خاص للجيولوجيين هو أنه يدمج القليل من اليورانيوم في بنيته،ما يمكّن العلماء من تحديد عمره عن طريق قياس التحلل الإشعاعي لأيونات اليورانيوم. أي أقدم مادة من أصل أرضي كانت عبارة عن زيركون تم العثور عليها في تكوين جاك هيلز، ويعود تاريخها إلى 4.4 مليار سنة مضت.

وشرح جمال الدين أنّ "(الزيركون) معدن فريد من نوعه. فهو شديد المقاومة ولا يتغير (بمرور الوقت). إنه الشاهد الوحيد على فترة الهاديان".

بهدف الوصول إلى النتائج التي توصلوا إليها، استخرج الباحثون وركبوا وصقلوا 2500 حبة من مادة الزيركون، يبلغ عرضها حوالي خصلتين أو ثلاث خصلات من شعر الإنسان، قبل تأريخ 1400 منها وقياس نظائر أو إصدارات مختلفة من الأكسجين داخل الزيركون.

أوضح جمال الدين أنّ المياه المالحة تحتوي على نظائر أكسجين أثقل مقاومة للتبخر، بينما تحتوي مياه الأمطار على نظائر أخف. أظهرت اثنتان من بلورات الزيركون دليلاً نظائريًا على وجود مياه نيزكية أو عذبة.

 وقال جمال الدين إن عمر أحدهما يبلغ 4 مليارات سنة، بينما يبلغ عمر الآخرى 3.4 مليار سنة.

أجرى الفريق 10000 عملية محاكاة لتكوين مادة الزيركون باستخدام نموذج حاسوبي، لكيفية امتزاج الصخور المنصهرة الساخنة بمياه البحر، أو مياه الأمطار، أو مزيج من الاثنين معًا، ووجدوا أنه فقط مع بعض المياه العذبة، يمكنهم تفسير التوقيع النظائري الخفيف لمادة الزيركون الخاصة بهم.

شروط أصل الحياة

وقال جمال الدين إنه من المستحيل معرفة من خلال عملهم ما إذا كانت هناك مساحات كبيرة من اليابسة، ولكن كان من المرجح أن تكون هناك بعض الأراضي الجافة فوق مستوى سطح البحر. علاوة على ذلك، فإن الأرض والمياه العذبة، التي من المحتمل أن تتساقط على شكل أمطار، كانت ستوفر المكونات الأساسية لأصل الحياة.

لدى العلماء نظريات مختلفة حول أصل الحياة على الأرض. يعتقد البعض أنها تشكلت حول الفتحات الحرارية في أعماق المحيط، لكن البعض الآخر يشتبه يأنها نشأت في المسطحات المائية الضحلة على الأرض. وقال جمال الدين إن النتائج الجديدة توفر الدعم للفرضية الأخيرة، ويريد الباحثون استعادة المزيد من مادة الزيركون للتحليل الجيوكيميائي، لمزيد من التحقيق.

ويتفق جون فالي، أستاذ علوم الأرض في جامعة ويسكونسن ماديسون، على أن ظروف الحياة ربما كانت موجودة على الأرض منذ فترة طويلة. لم يشارك في الدراسة لكنه كان بين أوائل العلماء الذين استخدموا الزيركون لإظهار أن الأرض كان بها محيطات قديمة ودرجات حرارة أكثر برودة قبل أكثر من 4 مليارات سنة، ما يتحدى الرأي القائل بأن الأرض الهاديانية كانت عبارة عن جرم سماوي جهنمي به بحار نارية من الصهارة. 

ويتفق جون فالي، أستاذ علوم الأرض في جامعة ويسكونسن ماديسون، والذي لم يشارك في البحث الجديد، على أن ظروف الحياة ربما كانت موجودة على الأرض منذ فترة طويلة.

وكان فالي من بين أوائل العلماء الذين استخدموا الزيركون لإظهار أن الأرض كانت بها محيطات قديمة ودرجات حرارة أكثر برودة منذ أكثر من 4 مليارات سنة، مما يتحدى الرأي القائل بأن الأرض الهاديانية كانت عبارة عن جرم سماوي جهنمي به بحار نارية من الصهارة. .

وذكر فالي أن السائل، الذي تلامست معه مادة الزيركون يمكن أن يكون عبارة عن مياه الأمطار أو مياه البحر، وأن النموذج الحاسوبي الذي استخدمه مؤلفو الدراسة يفترض أن التركيب النظائري لمحيط الهاديان كان مطابقًا لتركيب محيطات اليوم.

ولفت فالي إلى أن العامل الرئيسي الجديد في الورقة يتمثّل بالاستنتاج القائل بأن مياه الأمطار تعني أن الصخور كانت (على الأرض) وليست مغمورة.

قالت عالمة الكيمياء الجيولوجية بيث آن بيل، وهي باحثة مساعدة بقسم علوم الأرض والكواكب والفضاء في جامعة كاليفورنيا، غير مشاركة في الدراسة، إن قيم النظائر الخفيفة للغاية "قدمت حجة قوية" للتفاعلات بين الصخور والمياه العذبة خلال فترة الهاديان، ما يعني ضمنا وجود يابسة إلى حد ما في ذلك الوقت. 

وأوضحت بيل أن "مادة الزيركون قوية بتركيبتها، ولن تبتعد عن سطح الأرض. وتعيش بشكل روتيني لمليارات السنين في القشرة الأرضية، وعلى السطح من دون أن يؤثر ذلك على عناصرها الجيوكيميائية.