بريطانيا بين ترمب وأوروبا؟

منذ 1 أسبوع 27

عندما انضم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس مؤخراً للاحتفال بيوم الهدنة - وهو أول زعيم بريطاني يفعل ذلك منذ ونستون تشرشل عام 1944 - كان ذلك مثالاً لافتاً على رغبة حكومته العمالية في إعادة ضبط العلاقات مع أوروبا. لكن برغم الرمزية الثرية والدفء الملموس بين زعيمين من قادة الوسط، فإن فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية قد طغى على الزيارة. مع تاريخه من العداء تجاه الاتحاد الأوروبي، تُعقد عودة ترمب من عزم ستارمر «الالتفاف حول بريكست» والسعي إلى ما سماه «فرصة المرة الواحدة في كل جيل» لإعادة بناء العلاقات مع بقية أوروبا.

ما كان يمكن أن يكون ممارسة مربحة اقتصادياً، وإن كانت حساسة سياسياً، لبناء جسر مع حكومة العمال البريطانية، بات الآن يهدد بأن يصبح أكثر من خيار ثنائي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

حذر الدبلوماسيون والشخصيات النافذة في فلك ترمب من أن العلاقات التجارية البريطانية الأوثق مع أوروبا، قد تأتي على حساب العلاقات مع الرئيس الأميركي القادم، الذي كان من مؤيدي الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وابتهج عندما اختار نظيره البريطاني الأخير، بوريس جونسون، الصدام مع الاتحاد الأوروبي.

قال ستيفن مور، أحد كبار المستشارين الاقتصاديين لحملة ترمب: «إذا انخرطت المملكة المتحدة مجدداً في هذه العلاقات السياسية والاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك يقلل من احتمال أن يتوجه ترمب إلى اتفاقية للتجارة الحرة مع المملكة المتحدة».

في الوقت الراهن، يرفض المسؤولون البريطانيون الأمر باعتباره اختياراً زائفاً. وقد وازن ستارمر بين تواصله الدبلوماسي مع أوروبا وجهوده الدؤوبة للتقرب إلى ترمب. التقى الاثنان لتناول العشاء في برج ترمب في سبتمبر (أيلول)، حيث قال ترمب لستارمر: «نحن أصدقاء»، وفقاً لشخص كان في الغرفة.

قال بيتر ماندلسون، وهو من كبار أعضاء حزب العمال، الذي يُنظر إليه ليكون السفير البريطاني المقبل في واشنطن، على موقع «تايمز أوف لندن بودكاست»، إنه في العلاقة الثلاثية بين بريطانيا وأوروبا والولايات المتحدة «يجب أن نجد طريقة للحصول على كعكتنا وتناولها».

يقول خبراء الاقتصاد إن مثل هذه النتيجة يمكن أن تحقق تقدماً على مسارين: مع أوروبا يمكن لبريطانيا أن تتخذ خطوات أكثر صرامة لتخفيف الخلافات التجارية، مثل توحيد القواعد الخاصة بالزراعة، والربط بين أنظمة ضريبة الكربون، والسماح بحركة أكبر للشباب عبر الحدود. ومع الولايات المتحدة، يمكنها أن تسعى، إن لم يكن إلى إبرام اتفاقية تجارة حرة كاملة، إلى عقد اتفاق جزئي يغطي مجالات مهمة استراتيجياً مثل الاقتصاد الرقمي.

قال مارلي موريس، المدير المساعد في معهد أبحاث السياسة العامة في لندن، إن توثيق العلاقات الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي لا يجب أن يكون على حساب العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة.

مع ذلك، حتى عندما كانت بريطانيا أكثر انسجاماً آيديولوجياً مع الولايات المتحدة خلال رئاسة جونسون للوزراء وولاية ترمب الأولى، فشل الجانبان في التفاوض على اتفاق تجاري. وفي هذه المرة، تبدو سياسة ترمب التجارية أكثر تركيزاً على خطته لفرض تعريفات جمركية شاملة تصل إلى 20 في المائة على الشركاء التجاريين، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. في هذا السيناريو، قال دبلوماسيون إن أفضل أمل للسيد ستارمر قد لا يكون اتفاقية تجارية، وإنما إعفاءات مستهدفة من الرسوم الجمركية.

على أحد المستويات، قال أبراهام نيومان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج تاون، إن التعريفات الجمركية بعيدة المدى التي تفرضها الولايات المتحدة على الاتحاد الأوروبي «قد تكون هدية غير مقصودة للمملكة المتحدة». وأضاف أن هذا من شأنه أن يفرض «الكثير من الضغوط على الاتحاد الأوروبي لتوسيع سوقه، والمملكة المتحدة تمثل فرصة واضحة بالنسبة لهم». قال بيتر ريكيتس، مستشار الأمن القومي البريطاني السابق: «إذا فعلت المملكة المتحدة ذلك بمفردها، فسيكون هناك ثمن لا بد من دفعه». وقال مارك بليث: «إذا اندمجت مع ترمب، فلن تتمكن أبداً من الوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي».

قد تتفاقم هذه الضغوط إذا أثار ترمب توترات تجارية جديدة مع الصين. ففي قمة مجموعة العشرين التي استضافتها البرازيل، التقى ستارمر بالرئيس الصيني شي جينبينغ، وأعلن بعد ذلك أنه يريد علاقات «ثابتة ودائمة ومحترمة» بين بريطانيا والصين.

إذا اضطرت بريطانيا إلى الاختيار، فإن البعض يزعم أنها لا بد أن تشارك أوروبا في الأمر. فحجم التجارة عبر القناة الإنجليزية أكثر من 2.5 مرة من حجم التجارة بين بريطانيا والولايات المتحدة. وبلغ إجمالي الصادرات البريطانية إلى الاتحاد الأوروبي العام الماضي 342 مليار جنيه إسترليني (433 مليار دولار)، أي ما يعادل 42 في المائة من إجمالي صادراتها. وبلغت الواردات من الاتحاد الأوروبي 466 مليار جنيه إسترليني (590 مليار دولار) أي بنسبة 52 في المائة من إجمالي الواردات.

من شأن إعادة بناء هذه العلاقات المساعدة في استعادة بعض النمو المفقود إثر الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي. والآن أصبحت التجارة عبر القنوات محاطة بسلسلة من البيروقراطية والتأخيرات على الحدود والتكاليف الإضافية. ويشكو المُصدّرون البريطانيون من أنهم مضطرون لمراقبة استخدام الغاز للامتثال لضريبة حدود الكربون في الاتحاد الأوروبي. ويلاحظ مصدرو الأسماك الصدفيّة (القشريات) أنه يجب على الأطباء البيطريين التصديق على شحنات السلطعون والكركند المتجهة إلى فرنسا وإسبانيا.

قال الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند مؤخراً إن ستارمر «يحتاج إلى اتخاذ موقف الزعيم الأوروبي». * خدمة «نيويورك تايمز»