الضيق والقلق بعد التوبة

منذ 3 أشهر 73

الضيق والقلق بعد التوبة


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/8/2024 ميلادي - 9/2/1446 هجري

الزيارات: 37


السؤال:

الملخص:

فتاة أسرفت على نفسها بالمعاصي، ثم تابت إلى الله، وقررت أن تلبس النقاب، ثم عَرَضَ لها بعد التوبة وسواس وضيق وقلق، وإساءة ظنٍّ بالله، وتظن في نفسها النفاق، وأن الله لا يتقبل طاعاتها، وتسأل: كيف ينشرح قلبها بالإيمان؟

التفاصيل:

السلام عليكم.

أنا فتاة في السابعة عشرة، قارفت كثيرًا من المعاصي، والحمد لله وبعد تكرار التوبة، وُفِّقتُ وابتعدت نسبيًّا عن الأغاني والمعاصي، وأكثرت من الطاعات، وقررت أن ألبس النقاب، لكن الله ابتلاني بوسواس جزِعت منه، فأصبحت في سخط، وقلق، وإساءة ظنٍّ بالله، ودخل إلى قلبي شكٌّ في العقيدة، وصِرْتُ أضيق ذرعًا بالقراءة والطاعات، ومع أنني أدعو الله أن يوفقني للهداية، فإني أشعر أنه لا يتقبل مني؛ لأني لست مؤمنة، بل أشعر أنني منافقة أو ملحدة أو كافرة، أريد أن ينشرح صدري بالإيمان، سؤالي: هل يهدي الله أحدًا بعد أن أضله؟ وهل أنا مطرودة من رحمة الله؟ وكيف أُخرِج هذا الفساد العظيم من قلبي؟ وهل يتقبل الله طاعاتي؟ وهل يمكن أن يستجيب دعواتي؟ وكيف أكون مستحقة للهداية بعد الضلال؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فحياكِ الله يا ابنتي، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشرح صدركِ بالإيمان، وأن يوفقكِ لكل خير، ولي معكِ عدة وقفات:

بداية، أُهنِّئكِ على هذا القرار الصعب والقويِّ؛ وهو العودة والتوبة إلى الله، وهذا القرار لا يتخذه إلا الموفَّقون والذين يحبهم الله؛ قال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 118]، فالله سبحانه هو الذي أراد لكِ التوبة.

لا بُدَّ من العلم أن الله يغفر الذنوب جميعًا، مهما كبُرت وعظُمت، فرحمة الله أكبر منها وأعظم؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].

يا ابنتي، الهداية والعودة إلى الله لها ضريبة؛ لأنها مِنَّة من الله، ولا يأخذها إلا الذي يستحقها، ولذا لا بد من الابتلاء بعد التوبة حتى يعلم الله الصادق من الكاذب؛ قال تعالى: ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 1 - 3]، ولذا ما تجدينه - يا ابنتي - من ضيق وقلق وتعب هو من الابتلاء، الابتلاء الذي يكون بعد التوبة، التي يجب علينا بعدها الصبر والاحتساب.

قلب الإنسان مثل الكأس الفارغ، فإذا امتلأ بالمعاصي والذنوب، ثم سكبنا عليه طاعاتٍ وأعمالًا صالحة، يحتاج إلى وقت طويل حتى ينظف ويتطهر وتزول كل شوائب المعاصي منه، فالصبر - يا ابنتي - والثبات على الطاعات هو النجاة.

عدم اليأس من رحمة الله، والإكثار من الطاعات؛ لأن اليأس من وساوس الشيطان، وهو من يريدكِ أن تيأسي ثم تعودي لفعل المعاصي؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].

يا ابنتي، عليكِ بالصحبة الصالحة؛ فهي تعينكِ على طاعة الله، وابتعدي عن الصحبة السيئة، ومن كانت تعينكِ على فعل المعصية، ولو كانوا من أقرب الناس إليكِ.

تخلَّصي من كل شيء يذكركِ بالماضي؛ مثل: الصور والملابس، والعطور والرسائل، والهدايا والقروبات، والمواقع الإلكترونية؛ لأنها تذكِّركِ بالمعاصي وتدعوكِ إليها، واستبدلي بها ذكريات ومواقفَ فيها الطاعة وصحبة الصالحات.

أكثري من البرامج والأنشطة التي تزيد من ثباتكِ على الطاعة؛ كزيارة الصالحات، وصلة الرحم، وبر الوالدين، والعمل التطوعي والصدقة على الفقراء، والمحافظة على الصلوات وذكر الله، سواء وحدكِ أو بمشاركة الصالحات معكِ.

لا تقنطي من رحمة الله، وأبشري بالخير يا ابنتي، فالله سبحانه لن يُضيِّعكِ، خاصة إذا كنتِ صادقة في توبتكِ مع الله، وأنه سيبدل حسناتكِ سيئات؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 68 - 70].

لا تنسَي - يا ابنتي - أن تُكْثِري من قراءة سير الصالحين والصالحات، والتائبين والتائبات، فهي تعينكِ على الثبات، وتعلمكِ كيف ثبتوا وصبروا على طاعة الله.

ومن أعظم التوفيق والإعانة على الثبات وانشراح الصدر، الالتجاء إلى الله ودعاؤه في كل الأوقات، أن يشرح صدركِ بالإيمان وأن يثبتكِ على طاعته، وأن يصرف عنكِ وساوس الشيطان، وقد علَّم النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا كلمات؛ وقال له: ((يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّك، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّك، فَقَالَ: أُوصِيك يَا مُعَاذُ، لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك))؛ [رواه النسائي].

يا ابنتي، عليكِ بالاجتهاد والصبر والمثابرة، وتذكري أن لذة العبادة لا تأتي إلا لمن اجتهد وثابر؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، وقال محمد بن المنكدر: "كابدت نفسي أربعين عامًا حتى استقامت لي"، وقال ثابت البناني: "كابدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة، وتلذذت به عشرين سنة".

أسأل الله أن يوفقكِ لكل خير، وأن يصلح قلبكِ، ويثبتكِ على طاعته، وصلى الله على سيدنا محمد.