الخوف من الفضيحة بعد التوبة

منذ 2 أشهر 69

الخوف من الفضيحة بعد التوبة


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/9/2024 ميلادي - 11/3/1446 هجري

الزيارات: 39


السؤال:

الملخص:

فتاة وقعت في محادثة الرجال على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم تابت من هذا الذنب، وبعد التوبة طاردتها وساوس الخوف من الفضيحة، وصارت تعيسة وخائفة، وتسأل: ما النصيحة؟

التفاصيل:

السلام عليكم.

صديقتي حالتها النفسية سيئة جدًّا؛ إذ وقعت في معاصٍ عبر دردشات مع الرجال في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد كانت قبل أن تقع في هذه المعصية، تتعجب من امرأة تتحدث علنًا مع الرجال، مُفصحة عن نفسها، لكنها لم تنصحها، ولم تشمت بها، ولم تفضح أحدًا، بل كانت تقول: من المحال أن أفعل ما تفعل، وماذا يفيدها الحديث مع الرجال؟ وهذه المرأة حصل لها مشاكل كبيرة بعد عِلْمِ أهلها، وطلَّقها زوجها، فقالت صديقتي: ما فعلته هذه المرأة لا يُغتفَر، وبعد أشهر صارت صديقتي كالمجنونة تفعل مثلما كانت تفعل المرأة دون تورُّع، ولم تستطع منعَ نفسها، ثم تابت إلى الله، والآن تشعر بالندم والخوف من الفضيحة.

وثمة أمر آخر أرسل إليها رجل رقمه؛ كي تتواصل معه، فعرفت اسمه من خلال برنامج كشف الأرقام، فهل هذا يُعَدُّ من تتبُّع عورات الناس؟ مع العلم أنها كانت صغيرة، ولربما هذا الشخص يريدها أن تتصل به ليعرف اسمها، فهل سيتتبع الله عورتها؟ تقول صديقتي: لقد كنت حريصة على حثِّ الأشخاص على أن يستروا أنفسهم، وألَّا يجلبوا الفضائح لعائلاتهم، وقبل التوبة لم أشعر بهذه الوساوس، أما بعد التوبة، فقد أصبحت تعيسة وخائفة، وأشعر بالندم والذنب.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:

فنرحب بكِ أختنا الكريمة، ونشكر لكِ ثقتكِ في موقع شبكة الألوكة، ونسأل الله أن نكون عند حسن الظن في تقديم ما يسُرُّكِ، ويفيدكِ، وأن تجدي بُغيتَكِ.

صديقتكِ قد وفَّقها الله للتوبة، ولعلها علامةُ حبٍّ من الله في أن وفَّقها للتوبة والصلاح؛ يقول سبحانه: ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 118]، فتوفيقها للتوبة أمر جميل؛ لأن الله سبحانه وتعالى يحب التوبة من عباده؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴾ [البقرة: 222]، وعندما يتوب الإنسان يغفر الله له جميع ذنوبه؛ يقول سبحانه: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، ووَرَدَ في الحديث الصحيح: ((لَلَّهُ أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فَلَاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيِسَ منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلِّها قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمةً عنده، فأخذ بخِطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربُّك، أخطأ من شدة الفرح))؛ [البخاري: 6308].

وكلنا أصحاب ذنوب، والله عز وجل يسترنا بستره، بعد إنعامه علينا بالتوبة، ولكن الشيطان يسعى في أن يقنطنا من رحمة الله، فانصحي صديقتكِ ألَّا تستسلم للشيطان، وأن تكون قوية، وتبعد وساوسه التي يريد أن يفُتَّ في عَضُدِها، ويريدها أن ترجع عن توبتها، فلا ترجع إلى الذنوب أبدًا بعد عصمة الله لها؛ فقد سترها الله وهي تعصيه، فما بالكِ بأنها تابت إلى الله، فالستر سيكون أكثر - بإذن الله - فلا بد من إغلاق هذا الباب أمام هذه الأفكار الشيطانية المكشوفة، وإغلاق كل منفذ يستطيع الشيطان الدخول من خلاله.

وفي القرآن آية عظيمة تتحدث أنه عندما يشرك العبد، أو يقتل، أو يزني، ثم يتوب فإن الله يبدل سيئاته كلها حسنات ويغفر له؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 68 - 70]، وهكذا جميع السيئات التي يتوب منها العبد، عندما يتبعها بالإيمان والعمل الصالح، فإن الله يبدلها له حسناتٍ؛ فضلًا منه وإحسانًا.

وفيما يخص المرأة التي تكلَّمت عنها صديقتكِ، وأنها لم تنصحها، ولم تَشْمَتْ بها، ولم تفضح أحدًا، وهذه المرأة حصل لها مشاكل كبيرة بعد علم أهلها، وطلَّقها زوجها، وقالت عنها: (ما فعلته هذه المرأة لا يُغتفَر)، نقول لها: قول: (ما فعلته هذه المرأة لا يُغتفَر) يعتبر من القول على الله بدون علم؛ فقد تتوب هذه المرأة، فيتوب الله عليها، ويغفر لها، وقد يعفو عنها ولو لم تَتُبْ، فعلى من قال هذه العبارة التوبةُ والإكثار من الاستغفار والأعمال الصالحة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 39]، فإذا تابت من قولها، فإن الله يتوب عليها؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110]، فعليها الإكثار من الاستغفار والتوبة؛ فإن الله تعالى يقبل التوبة إذا كانت صادقة، ويستر عليها بستره الدائم.

وبالنسبة للخوف الذي ينتابها دائمًا بشأن الفضيحة أمام الناس كما حصل لمن تحدثت عنها، لا يلزم أن يصيبها هي، وهذه الوساوس سببها الشيطان كما ذكرنا سابقًا، وأن الشيطان يريد أن يُحزنها لتوبتها، ويريد إبعادها عن التوبة بأي طريقة، وبإذن الله لن يفلح أبدًا، إذا كانت توبتها صادقة، فعليها الاستمرار في التوبة، وعدم الانجرار وراء الشيطان ومكائده، وإبعاد هذه الوساوس في دائرة النسيان.

ودليل ذلك أنها قبل التوبة لا تنتابها هذه الوساوس، ولم تأتِها إلا بعد التوبة، فهذا دليل أن الشيطان هو الذي تسلَّط عليها ليُبعدها عن التوبة.

وفيما يخص معرفة رقم من قام بالتواصل معها، فهذا ليس من باب تتبع العورات، بل من حقها أن تعرف من الشخص الذي يحادثها، وتتبع عورات المسلمين يكون بالتجسس عليهم، وكشف ما ستروه من عيوبهم، والرقم معلن للجميع، ويستطيع أي شخص أن يتعرف عليه، ولا يدخل في التجسس، ولا كشف الستر، وعليها أن تطمئن بأن هذا الفعل لا يدخل في حديث: ((من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته))؛ [صحيح الجامع (7984)].

ولأن هذه المرأة تقول: إنها كانت حريصة على حث الأشخاص على أن يستروا أنفسهم، ولا يجلبوا الفضائح لعائلاتهم، فهذا أمر يبعث على الراحة للطِّيبة التي تحملها داخلها، وأن معدنها نفيس، وأن بذرة الصلاح التي بداخلها ما زالت قائمة؛ فعليها بكثرة الاستغفار، والأعمال الصالحة؛ لتعيش حياة طيبة وهانئة، وعليها بالصلاة، والمحافظة عليها في أوقاتها؛ فلها أهمية كبيرة في الراحة النفسية، وعليها بذِكْرِ الله؛ فهو سبيل اطمئنان القلب، ويملأ القلب سرورًا؛ قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

وعليها الالتجاء إلى الله بالدعاء، والتضرع له؛ يقول سبحانه: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، ففي ذكر الله ودعائه سبحانه وتعالى تفريجٌ للهموم والكرب.

نسأل الله لها الثبات على الهداية، والاستزادة من العمل الصالح، والخروج من هذه الأفكار والوساوس الشيطانية، إنه سميع مجيب.