الجمع بين أحاديث المسافة بين درجات الجنة

منذ 10 أشهر 162

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته يا فضيلة الشيخ هل الحديث الذي فيه أن بين درجتي الجنة مائة عام صحيح ؟ وكيف نجمع بينه وبين الحديث الذي فيه أن بين درجتي الجنة كما بين السماء والارض ؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:

فالحديث المشار إليه والذي يبين أن المسافة بين درجتي الجنة كما بين السماء والأرض، رواه البخاري عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقًا على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها"، قالوا: يا رسول الله، أفلا ننبئ الناس بذلك؟ قال: "إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة".

ورواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا سعيد، من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيًا، وجبت له الجنة"، فعجب لها أبو سعيد، فقال: أعدْها علي يا رسول الله، ففعل، ثم قال: "وأخرى يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض"، قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: "الجهاد في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله".

أما تحديد المسافة بين الدرجتين بمائة عام ففي حديث عبادة بن الصامت عند أحمد والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين مسيرة مائة عام، وقال عفان: كما بين السماء إلى الأرض، والفردوس أعلاها درجة، ومنها تخرج الأنهار الأربعة، والعرش من فوقها، وإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس".

والحديثان لا يعارضان البتة، بل أحدهما يفسر الآخر؛ فحديث أبي هريرة قدر المسافة كما بين السماء والأرض، وحديث عبادة بيّن أن مقدار المسافة بين السماء والأرض بمائة عام؛ فتأمله!

 فما أبهم في حديث أبي هريرة، بيّن في حديث عبادة.

جاء في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" للألباني (2/ 592-593): "قوله: "مائة عام"، هو رواية أحمد، وفي رواية الآخرين " كما بين السماء والأرض"، وهي رواية عفان عنده، ومثلها روايتهم عن معاذ إلا أحمد فهي عنده باللفظ الأول: "مائة عام"؛ ويشهد له حديث شريك بن عبد الله عن محمد

بن جحادة عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعًا به مختصرا بلفظ: "الجنة مائة درجة ما

بين كل درجتين مائة عام"، ولا تعارض بينهما وبين رواية الآخرين: " كما بين السماء والأرض"؛ لأن روايتهما مفصلة، والأخرى مجملة، والمفصل يقضي على المجمل؛ كما هو معلوم من علم الأصول". اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": فتح الباري لابن حجر (13/ 413): "... اختلف الخبر الوارد في قدر مسافة ما بين السماء والأرض، وذكر هناك ما ورد في الترمذي أنها مائة عام، وفي الطبراني خمسمائة، ويزاد هنا ما أخرجه بن خزيمة في التوحيد من صحيحه، وبن أبي عاصم في كتاب السنة عن بن مسعود قال: "بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام"، وفي رواية: "وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبين السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي وبين الماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم"، وفي حديث العباس بن عبد المطلب عند أبي داود وصححه بن خزيمة والحاكم مرفوعًا: "هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض؟ قلنا لا، قال: إحدى أو اثنتان أو ثلاث وسبعون، قال: وما فوقها مثل ذلك، حتى عد سبع سماوات".

والجمع بين اختلاف هذا العدد في هاتين الروايتين، أن تحمل الخمسمائة على السير البطيء، كسير الماشي على هينته، وتحمل السبعين على السير السريع".

إذا تقرر هذا؛ ظهر توافق الحديثين وأن أحدهما مفسرٌ للآخر، وأن النَّبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا تقريبًا للأفهام، وأن في الحديث فضيلة ظاهرة للمجاهدين، وفيه عظم الجنة، وعظم الفردوس منها، وفيه إشارة إلى أن درجة المجاهد قد ينالها غير المجاهد؛ إما بالنية الخالصة، أو بما يوازيه من الأعمال الصالحة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر الجميع بالدعاء بالفردوس، بعد أن أعلمهم أنه أُعد للمجاهدين،، والله أعلم.

  • 0
  • 0
  • 2