أهلي أجبروني على تخصصي الجامعي

منذ 2 أشهر 80

أهلي أجبروني على تخصصي الجامعي


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/9/2024 ميلادي - 27/2/1446 هجري

الزيارات: 15


السؤال:

الملخص:

فتاة حصلت على معدل عالٍ في الثانوية، وأراد أهلها أن تدخل كلية الطب، في حين أنها اكتشفت أنها متميزة في اللغة الإنجليزية وآدابها، لكنَّ أهلها أجبروها على تخصص الطب، ولأن أعداده قد اكتملت، أدخلتها أمها تخصص الهندسة المعمارية الذي تكرهه، فلم تكمل فيه، ودخلت تخصص علم النفس، ومع أنها في السنة الأخيرة، فهي لا تريد أن تكمل فيه، وتسأل: كيف أتخلص من العقد الدراسية التي صنعها أهلي؟

التفاصيل:

تخرجتُ من المدرسة الثانوية بمعدل عالٍ جدًّا، ولم يكن لي هدف واضح في الحياة، في بداية دراستي الثانوية كنت عاقدة العزم على دراسة الطب، ثم غيَّرتُ رأيي؛ لأني شعرت أن الناس – غالبًا - تُقبِل على هذا التخصص من أجل المكانة الاجتماعية، وليس حبًّا فيه، ثم إنني لم أدرس بعد الثانوية مباشرة بسبب تسجيلي في جامعة كانت بعيدة في مدينة أخرى لا أستطيع الذهاب إليها، وبمرور الوقت أصبحت لا أبالي بالدراسة، وبعد الثانوية بثلاث سنوات اكتشفت شغفي في الحياة، وأني مبدعة إلى درجة تصل للعبقرية في اللغة الإنجليزية وآدابها، وعزمت على دراسة هذا التخصص، لكنَّ أهلي لم يقتنعوا به؛ لأن معدلي في الثانوية عالٍ، في البداية تجاهلت كل كلامهم، ولكن كثرة تكرارهم لذلك جعلني أشُكُّ في مدى صواب هذا القرار، فبدأت بالتراجع رويدًا رويدًا، حتى نزلت على رأيهم، ووافقتُهم على دراسة الطب الذي لم أكن أقتنع به كثيرًا، ولما ذهبت للتسجيل في الجامعة لدراسة الطب، وجدت أن التخصص قد اكتفى بالطلاب، وأنه لم يعُد ثمَّة مقاعد جامعية، إلا في تخصص الهندسة المعمارية، فوافقت على ذلك، وليتني لم أفعل، وقد حاولت إقناع أمي بالتراجع لكن دون جدوى؛ لأني أعلم في قرارة نفسي أن هذا التخصص لا يناسبني، وقد كان الأمر كما تخيلت، فلم أستمر فيه كثيرًا، وكرهته كرهًا شديدًا، ثم حوَّلت إلى تخصص علم النفس عبر الإنترنت، قطعت شوطًا كبيرًا فيه، وأكملت هذا التخصص في كثير من الأحيان على مَضَضٍ، ولم يبقَ إلا بحث التخرج الذي لا أريد إكماله؛ فقد دخلت التخصص خوفًا من نظرة الناس وكلامهم، وليس عن قناعة، حتى لا يُقال عني: عاطلة عن العمل، ولأن خالتي وبَّختني وعنَّفتني بكلامها لمجرد أنني فكرت أن أترك تخصص الهندسة المعمارية، فرافقتني هذه العقدة حتى مع التخصص الثاني، أريد أن أكْسِرَ هذه الحلقة الْمُفْرَغة؛ لأني مليئة بالعقد النفسية حول الدراسة الجامعية، والمستقبل الوظيفي، كما أني عازمة على عدم العودة للجامعة مهما حدث.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين مُقدِّر الأقدار، وكاشف الأسقام، ودافع الأكدار، مجيب الدُّعاء، عظيم البرهان، شديد السلطان، لا يعجزه إنس ولا جانٌّ، والصلاة والسلام على رسولنا بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين؛ أما بعد:

من معطيات استشارتكِ تبين لي ترددكِ في حياتكِ، كما لُوحِظ ترددكِ في اتخاذ القرارات، التي تعتبر مصيرية في حياتكِ.

حصَّلتِ في الثانوية العامة معدلًا عامًّا، يؤهلكِ لتحقيق هدفكِ الذي وضعته لنفسكِ في بداية دراستكِ الثانوية العامة، ولكن حيرتكِ وترددكِ في اتخاذ القرار الصحيح المناسب، ما أدى إلى ما أنتِ عليه الآن.

عمركِ الآن 27 سنة حسب قولكِ، وأنا هنا أفهم أنكِ أضعْتِ ٩ سنوات (أقل أو أكثر قليلًا) بلا هدف، ودون القدرة على تحقيق أي أمر مناسب في حياتكِ.

المهم بل الأهم هو تحكم عائلتكِ بقراراتكِ حسب ما ذكرتِ.

كم تخصص درستِ وأنتِ غير راغبة به؟! ومنها على سبيل المثال: الهندسة المعمارية علمًا أنه كان بإمكانكِ الإبداع والتميز؛ لأنكِ أشرتِ إلى عبقريتكِ في اللغة الإنجليزية، ولكنكِ مع هذا لم ترغبي بإكمال هذا التخصص.

هنا لا بد أن يكون لديكِ اليقين أن كل ما حصل ويحصل بل وسيحصل، إنما هو مُقدَّر من عند الله، فلا نقول "لو"؛ لِما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ((المؤمن القويُّ خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجِز، وإن أصابك شيء فلا تَقُلْ: لو أني فعلت كذا كان كذا، ولكن قُلْ: قدَّر الله وما شاء فعل، فإن "لو" تفتح عمل الشيطان))؛ [صحيح مسلم: 2664].

أقول لكِ هنا: إن شرحنا هذا الحديث فقط لَوجدتِ حلولًا كثيرة لمشكلتكِ؛ منها أولًا: ضرورة الأخذ بالأسباب ((احرص على ما ينفعك))، بالاستعانة إلى الاستخارة، خاصة عند الحيرة والتردد لاختيار الأكثر نفعًا لك: ((اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علَّام الغيوب))، كما يجب أن تُتْبِعي الاستخارة بالاستشارة لمعرفة التخصصات التي يمكنكِ الاستفادة منها في حياتكِ العملية؛ فهناك تخصصات غير الطب والهندسة، يمكنها أن تكون مفيدة لكِ أكثر في الحياة العملية، وعلى سبيل المثال يمكن الاستفادة من دراسة الهندسة باختيار تخصص يُعينكِ على تطوير المعارف التكنولوجية الأحدث، والأهم هذه الأيام: هندسة الصوت، والهندسة النووية، والكهربائية، وهندسة البرمجيات، وهندسة الطاقة، وهندسة الزراعة.

طبعًا لا بدَّ أيضًا من التأكيد على ضرورة اختيار ما يعينكِ على المحافظة على نفسكِ كامرأة تدخل ميادين العمل، للحفاظ على مكانتكِ في مختلف المجالات؛ حيث أتاحت لنا جميعًا مِنصَّات التواصل الاجتماعي معرفة الكثير من النصائح المقدَّمة للمرأة قبل الزواج وبعده، مع العلم يوجد الكثير الكثير من النماذج لنساء تميزت في مجال عملها، مع ضرورة الانتباه بل التمسك بالضوابط الشرعية، وبنوع الوظائف التي ترغبين بها بعد الانتهاء بمشيئة الرحمن من الاختيار الصحيح للدراسة الجامعية.

المهم الآن ابدئي من جديد، ابحثي عن أية مهارة ترين نفسكِ فيها فتتقنيها وتبرعي بها.

والمهم جدًّا لتتخلصي من ترددكِ وحيرتكِ لا بد لكِ من التوكل على الله، والاستعانة به بيقين؛ لأن الإنسان عمومًا إنْ أخَذَ بالأسباب، ولم يَسْتَعِنْ بالله، فلن يحصل على ما يريده، إذًا لا بد من الأخذ بالأسباب، مع السعي وراء التوفيق من الله؛ لأننا بأنفسنا لا حول ولا قوة لنا إلا بالله، فلا بد لكِ من الابتعاد كليًّا عن التكاسل؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألَّا يقوم حتى يغرسها فليفعل))؛ [صحيح الأدب المفرد: 371].

نستدل من هذا الحديث أنه إن قامت الساعة وفي يد أحدكم نبتة النخل الصغيرة، فإن استطاع ألَّا يقوم حتى يغرسها، فهذا حثٌّ على فعل الخير حتى في أصعب الظروف.

نعود إن شاء الله عَودًا أحمدَ معكِ لضرورة عدم قول "لو"؛ لأنها تفتح عمل الشيطان، والأهم أن النفس أمارة بالسوء مع وزيريها الهوى والشيطان، فلا تجعلي لهم سبيلًا إلى نفسكِ، فانتبهي - أختي السائلة - إلى الهوى، فإن كان هواكِ تبعًا للشيطان، فالنتيجة تكاسل وتردد، وحَيرة وحسرة وندم، وهنا تتمكن منكِ نفسكِ الأمَّارة بالسوء، وما عليكِ إلا أن تتعلمي هذه المداخل، وتتعلمي كيف تحولي نفسكِ الأمارة بالسوء إلى النفس اللوَّامة التي تلومكِ.

أما كيف تنتقلين من النفس الأمارة بالسوء إلى النفس اللوامة؛ فباتباع الآتي:

1- محاورة النفس والتفاوض معها على أن تُعطَى حقوقها كاملة، مقابل التزامها بالمساحة الْمُقَنَّنة لها في القانون النبوي: ((وإن لنفسك عليك حقًّا))، ويحرُم عليها الخروج والتجوال خارج هذه المنطقة؛ حتى لا تشطح، وتستولي على مقاليد الحكم في الذات.

2- العلاج الثاني المفيد جدًّا على مستوى عمليٍّ يكون بمخالفتها الرأي بعد إعطائها حقوقها كاملة.

(كيف تقود نفسك للنجاح في الدنيا والآخرة، د. شيرين لبيب خورشيد).

وفي الختام لا تترددي، اعرِفي ما تريدين بتحديد هدف علمي، وآخر عملي، واحزمي أمركِ، واستعيني بالله، وتوكلي عليه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.