تاريخ الإضافة: 11/1/2025 ميلادي - 12/7/1446 هجري
الزيارات: 34
♦ الملخص:
مراهق يرى والدته تخرج من البيت كثيرًا دون إذن والده، ويسمعها دومًا تكلم الرجال، وهو يشك فيها، ويسأل: هل يعد ديوثًا هكذا؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم.
أشك في سلوك أمي؛ فدائمًا أسمعها تكلم الرجال، وتخرج من البيت كثيرًا، دون إذن والدي، ومنذ مدة كنت عائدًا من المدرسة، وطرقت الباب، فلم تفتح لي أمي إلا بعد خمس دقائق، ولما أن دخلت غرفتي، سمعت الباب يفتح مرة أخرى، فشككتُ في أمرها، فهل إذا تجاهلت هذا الموقف أصبح ديوثًا؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فقد سألت سؤالًا محددًا؛ وهو: هل إذا تجاهلت الموقف الذي حصل من أمك، وشككت فيه، تصبح ديوثًا؟
فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: جوابًا على سؤالك أقول: لا تُصبح ديوثًا؛ لأن الديوث هو الذي يُقر الخبث - أي الزنا - في أهله، وأنت لم تتأكد، والذي حصل هو مجرد شكوك وظنون لا تصح أبدًا لبناء الأحكام الشرعية عليها.
ثانيًا: احتاط الإسلام لأمور الأعراض احتياطًا شديدًا؛ حتى لا تكون ملعبًا للأهواء والظنون السيئة، واشترط للاتهام بالزنا شهادة أربعة شهود يُقرون بمشاهدتهم للزنا كاملًا، وشرع حد القذف لمن يقذف محصنة بالفاحشة دون بينة شرعية؛ قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 4].
ثالثًا: يُمكنك وعظ أمك بشكل عام عن المعاصي، وتذكيرها بالموت والجنة والنار، وفضل التوبة، وعظم خطورة الفتن؛ وذلك بطرق متعددة منها: مقاطع وعظية مؤثرة تتحدث عن التوبة وما يتعلق بها، أو رسائل واتس للعلماء والدعاة، وغير ذلك، وإن كانت قد وقعت في خطأ ما، فستشعر من خلال هذه الرسائل أن لديك علمًا أو شكًّا حولها.
رابعًا: حتى لو فرضنا أنها وقعت في خطأ ما، فإنها تبقى أمك، لها عليك حق البر وحسن الصلة، والتعامل بالخلق والأدب؛ لقوله سبحانه عن الذي أبواه مشركان، ويأمرانه بالشرك الذي هو أعظم ذنب، وأعظم ظلم: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15].
خامسًا: واعلم - حفظك الله - أن من أعظم برِّك بها أن تنصح لها، وتأخذ بيدها لبرِّ الأمان من المنزلقات، وذلك بالوعظ الرفيق الحاني، الحكيم الخالص لوجه الله سبحانه؛ كما قال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].
وكما قال سبحانه: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125]، وكما في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه))؛ [رواه مسلم]، وفي رواية له: قال لعائشة: ((عليكِ بالرفق، وإياكِ والعنف والفحش؛ إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه)).
سادسًا: لا يسوغ لك التحسس والتجسس على والدتك، ولكن إن ثبت لك شيء مشين من غير تجسس، وتأكدت منه، فلكل حادث ما يناسبه من التصرفات والتوجيهات.
سابعًا: أنصحك ألَّا تشغل نفسك بما شككت فيه سابقًا؛ لأنه مبني على مجرد ظن؛ ولقوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].
ثامنًا: لا تنسَ سببًا عظيمًا لحماية والدتك من الفتن؛ وهو الدعاء لها بصدق ويقين وإخلاص؛ قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
تاسعًا: احرص - رعاك الله - على الستر على أمك، وعدم فضحها؛ لأن الستر واجب شرعي، والفضح منكر لا يجوز إلا في حالات المجرمين المجاهرين، ولأن الفضح يعين الشيطان عليها للاستمرار في طريق الغواية، ولأنه يفسد علاقتها بوالدك وبأسرتها كلها.
عاشرًا: تأمل كثيرًا الأحاديث التالية واجتهد في العمل بها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسِرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة)).
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسْلِمُه، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة)).
قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله معلقًا على هذه الأحاديث: "هذا هو المشروع إذا رأى الإنسان من أخيه في الله أو أخته في الله عورة - يعني: معصية - فلا يفضحه، ولا ينشرها بين الناس، بل يستر عليه وينصحه، ويوجهه إلى الخير، ويدعوه إلى التوبة إلى الله من ذلك، ولا يفضحه بين الناس، ومن فعل هذا وستر على أخيه، ستره الله في الدنيا والآخرة؛ لأن الجزاء من جنس العمل.
أما الذين يُظهِرون المعاصي ولا يستحون، ويظهرونها بين الناس، فهؤلاء فضحوا أنفسهم فليسوا محلًّا للستر".
حفظك الله، وأعاذك وأعاذ أمك من الفتن، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.