أريد الهرب من أسرتي

منذ 1 سنة 332

أريد الهرب من أسرتي


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/2/2023 ميلادي - 15/7/1444 هجري

الزيارات: 57



السؤال:

الملخص:

فتاة عانت منذ طفولتها اعتداءات إخوتها عليها، وتسلُّط أبويها، وهي تريد أن تعيش بهدوء بعيدًا عنهم، وتتخلص من ذكرياتها معهم، وتسأل: ما الحل؟

التفاصيل:

السلام عليكم.

أنا فتاة في الثامنة عشرة من عمري، عانيت في طفولتي التحرش والاعتداء من قِبل إخوتي، وتسلط وجبروت والديَّ، وتشويه أمي لسمعتي؛ حتى لا يطلع أحد على أفعال إخوتي معي؛ سيما أبي، ثم قرار أبي بأن يتنازل عني لأسكن عند أخي، ثم مررت بتجربة حبٍّ فاشل، أقول هذا لا للاعتراض على أقدار الله، فالحمد لله على كل حال، إنما مشكلتي أن والديَّ يتحكمان في كل شيء يخصني، في ملبسي، ومواعيد أكلي وشرابي، وفي شخصيتي، ولما صارحتهم برغبتي في الابتعاث للخارج، رفضوا الفكرة دون تردد أو نقاش، وقالوا لي: إن أول من يتقدم إليكِ، فسوف تتزوجينه؛ حتى يستر عليكِ، أنا أرفض فكرة الزواج بعد كل الذي مررت به؛ فقد تكونت لديَّ عقدة من كل شيء، وفقدت الثقة بنفسي، وبمن حولي، وفقدت المشاعر، ودفء العائلة، وحنان الوالدين، ومن ثَمَّ لجأت إلى شرب الدخان؛ حتى أنسى همومي، لكن بلا فائدة، وحاولت الانتحار، لكن لم يجدِ شيئًا أيضًا، وكلما حاولت أن أبدأ من جديد، وأفتح صفحة جديدة مع أهلي، فإنهم ينزعونها، أصبحتُ تأتيني أفكار ليست من شخصيتي، فمن شدة الغضب الذي بداخلي أصبحت أرغب في الانتقام منهم، وأن أسبب لهم أكبر ضرر ممكن، فكأني أعيش بشخصيتين، وهذا الصراع الداخلي أتعبني، وأنا لا أريد أن أضعف، وأستمع لحديث نفسي، وأفعل شيئًا أندم عليه فيما بعد، أريد العيش بهدوء بعيدًا عن تراكمات الماضي، أنا لا أعترض على حكم الله الذي جعلني بنتًا لهم، لكن لا أريد الزواج، فقط أريد أن أهرب من الماضي الكئيب، وأفتح صفحة جديدة بعيدًا عن هذا المكان، وهذه الذكريات، فماذا أفعل؟ وكيف أقنعهم؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فملخص مشكلتكِ هو:

١- تعرضكِ لتحرش من إخوتكِ في فترة طفولتكِ.

٢- تقولين: إن أمكِ سعت لتشويه سمعتكِ للتغطية على أفعال إخوتك!؟

٣- ثم سكنت عند أخيكِ الآخر.

٤- ووقعت في فخ حبٍّ وهمي، انتهى بالفشل المعتاد.

٥- تقولين: إن والديكِ يضايقونكِ في أشياء كثيرة، ويتحكمون حتى في لبسكِ وشخصيتكِ، ومواعيد أكلكِ وشرابكِ.

٦- صارحتِهم برغبتكِ في الابتعاث للدراسة بالخارج فرفضوا.

٧- وقالوا: أول مَن يتقدم لكِ، فإنك تتزوجينه؛ كي يستر عليكِ.

يستر على ماذا؟

٨- تقولين: إنكِ رافضة فكرة الزواج بعد التحرشات والمشاكل التي مررتِ بها.

٩- تقولين أنه صارت عندكِ عقدة فقد الثقة في نفسكِ، وفي الذين حولكِ.

١٠- تقولين: فقدتِ مشاعر حنان الوالدين ودفء العائلة.

١١- حاولتِ الهروب من واقعكِ ومآسيكِ بشرب الدخان، فلم تستفيدي منه شيئًا.

١٢- وبلغ بكِ مرارة أمركِ أن حاولتِ الانتحار ولم يتيسر لكِ.

١٣- كلما حاولت فتح صفحة جديدة مع أهلكِ ينزعونها.

١٤- تقولين: إنكِ تريدين العيش بهدوء بعيدًا عن مشاكل الماضي.

١٥- ولا تريدين الزواج، تريدين فقط الهروب من الماضي.

١٦- تقولين أنه صار بداخلكِ غضب شديد، وصرتِ تريدين الانتقام من أهلكِ، وتتسببين لهم بالأضرار، وتعبتِ من الصراع الداخلي.

١٧- وتقولين: إنكِ لا تعترضين على حكم الله سبحانه الذي جعلكِ بنتًا لهم، ولكنكِ تريدين حلًّا لبدء صفحة جديدة، بعيدًا عن مكان الذكريات المؤلمة.

١٨- وتقولين مرة أخرى: إنكِ رافضة فكرة الزواج، ولا تريدين الضعف أمام خواطر النفس، ولا الإقدام على عمل تندمين عليه، وتحاولين ألَّا تضعفي أمام هذا الكم الهائل من المشاكل، ومن الخواطر الشيطانية، لكنكِ لا تقدرين وتخشين من العواقب السيئة لهذا الضعف.

فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: واضح جدًّا من مشكلتكِ الأمور الآتية:

١- كم هائل من التعب النفسي والقلق، وفقد الثقة، وذلك نتيجة لِما لكِ من التحرشات والمواقف الأخرى.

٢- واضح جدًّا أن لديكِ ضعفًا في الإيمان والصبر، وفي المحافظة على العبادات الواجبة والمستحبة، التي تقوي الإيمان والصبر؛ مثل: الصلاة، وتلاوة القرآن، والدعاء، والاستغفار، والاسترجاع؛ لذا فأنصحكِ بالمحافظة عليها، خاصة الصلاة في أوقاتها؛ أولًا: لأنها ركن عظيم من أركان الإسلام، وثانيًا: لأنها سبب عظيم للطمأنينة والثبات؛ لقوله سبحانه: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]، ولقوله عز وجل: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

ثانيًا: لا تُقدم البنت على شرب الدخان، ولا على محاولة الانتحار، إلا بوجود أمرين؛ هما: ضعف الإيمان، والخوف من الله سبحانه، وشدة البلاء عليها، وضعف صبرها على الصمود أمامه؛ فالدخان محرم، وليس أبدًا سببًا للسعادة؛ لأنه معصية، وليس سببًا للهروب من المشاكل، بل يزيدها تفاقمًا، وهو من أسباب الأمراض المستعصية مثل سرطان الحنجرة وغيرها، والانتحار محرم، بل كبيرة من الكبائر؛ لقوله سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].

وللحديث الآتي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بسمٍّ فسمُّه في يده، يتحسَّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا))؛ [وهذا الحديث ثابت في الصحيحين].

ثالثًا: لا أنكر شدة ما وقع عليكِ من البلاء والمصائب العظيمة، فهي من الفتن التي تجعل الحليم حيران، وقد تُصيب من صُبَّت عليه بالأحزان والأمراض النفسية، ولكن مع ذلك كله أذكركِ بأمور تُثبتكِ بإذن الله؛ وهي:

١- تذكر أن ما أصابكِ، وإن كان شرًّا في ظاهره، إلا أنه يكون خيرًا عظيمًا لمن يصبر ويحتسب؛ قال سبحانه: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].

ولقوله عز وجل: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].

٢- بدلًا من الاستسلام للأحزان والخواطر الشيطانية، عالجي نفسكِ بالآتي:

الإكثار من الصلاة، والدعاء، وتلاوة القرآن، والاسترجاع، ومجالسة الصالحات، والالتحاق بحلقة علم وحلقة قرآن؛ ففيها جميعًا تقوية للإيمان، وتسلية للنفس، وتقوية للصبر والثبات.

رابعًا: والداكِ لهما حق عظيم عليكِ، ولو أخطؤوا، فبرُّهم ليس مجرد مكافأة تزول بزوال أسبابها، إنما هو واجب شرعي دائم، ولو كانوا كفارًا، يدعونكِ للكفر، فكيف بالأبوين المسلمين؟ لقوله سبحانه: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15].

وبهذا تعلمين أن تفكيركِ بالانتقام منهم خطأ عظيم.

خامسًا: لا تزكي نفسكِ، وتفقَّدي سلوككِ مع والديكِ، فقد تكونين مع شدة ما أصابكِ من إخوتكِ، وتفريطهما في معالجته، لجأتِ لأخطاء جسيمة أدت لشدتهما معكِ.

سادسًا: إعراضكِ عن الزواج نتج عن شدة الصدمة النفسية التي أصابتكِ من فقدكِ للثقة بكل الناس؛ ولذا أقول لكِ: بل توكلي على الله عند وجود الخاطب الكفء؛ فقد يكون حلًّا عظيمًا لمشاكلكِ، وراحة نفسية كبيرة من معاناتكِ؛ لقوله سبحانه: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، فالزواج الموفَّق سكن ومودة ورحمة.

سابعًا: أحسني الظن بوالديكِ في منعهما لكِ من مشتهياتكِ من ملابس ومأكولات وغيرها؛ فهي اجتهادات لمصلحتكِ، وقد يصيبان فيها أو يخطئان، المهم تقديرهما وإحسان الظن بهما، وعدم البغض لهما، واستمرار البر لهما؛ لقوله سبحانه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].

ثامنًا: وتقولين: وقعتُ في فخ حب فاشل، وهذا طبيعي جدًّا؛ فأي طريقة غير مشروعة للعلاقة بين بين الجنسين، مصيرها الفشل، وقد حصل ذلك كثيرًا؛ لأسباب منها: معصية الله تعالى، وعدم ثقة أي رجل في التي تقيم علاقة معه، خشية خيانتها له فيما بعد، فاحذري هذه المسالك المشينة أشد الحذر.

تاسعًا: أوصيكِ بالستر التام على نفسكِ، وعدم ذكر ما حصل لكِ من تحرش لأي إنسان، مهما كانت ثقتكِ به، حتى زوجكِ المستقبلي؛ حتى لا ينتشر الخبر، وحتى لا يساء الظن بكِ.

حفظكِ الله، ورزقكِ بر والديكِ، وزوجًا صالحًا، وفرج الله كربتكِ.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.