♦ الملخص:
امرأة متزوجة، تشكو سوء معاملة زوجها؛ ما جعلها تشعر تجاهه بنفور شديد، وفجأة شعرت بحبٍّ وشوق تجاه تاجر تتعامل معه، ولا تريد إلا أن تكون معه، لكنها تخشى على أولادها، وتسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم.
أنا امرأة متزوجة، ولديَّ أطفال، أشكو عصبية زوجي وضيق أُفُقِهِ؛ فهو لا يتفاهم في أي أمر، ولا يقبل العتاب أو الرأيَ، تراكمت المشاعر السلبية تجاهه، فلم أعُد أحمل له أي قدر من الحب أو التقدير، وأشعر بنفور شديد من علاقتنا، ولا يُبقيني سوى الأطفال، أما زوجي فأنا لا أعتبره إلا أبًا لأطفالي؛ فلا أُقصِّر في حقه في أي جانب، على سبيل الواجب، لا بشعور الحب، المشكلة أنني منذ مدة أحسست تجاه رجل غريب بالحب، هو تاجر أتعامل معه منذ سنة، ولم أكن أشعر تجاهه بشيء، ولم أنتبه لوجوده قط، بدأ الإعجاب به فجأة، وجدت نفسي أشتاق إليه، وأنتظر رؤيته بلهفة، وأصبحت أتُوق لمعرفة كل شيء عنه، وأتعمَّد الذهاب إليه كثيرًا في متجره، فهو لا يكاد يفارق تفكيري، لم أقُلْ له شيئًا، ولم أفعل شيئًا، وقد أعجبني أشخاص كثيرون، وكان من السهل عليَّ أن أنسى، أما هذا، فأشعر أنني إن فارقته فقد أفارق جزءًا مني، فلا شيء أحب إليَّ الآن سوى أن أكون معه، لكني أخشى الله، وأخشى أن يحتقرني زوجي، وأن أفترق عن أولادي، وأُسبِّب لهم الألم والحسرة، أرجو منكم النصح والدعاء.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، النبي الأمي الطاهر المطهَّر، وعلى آله وصحبه وزوجه وسلم؛ أما بعد:
فيا أختي الغالية، أسأل الله أن يبرد قلبكِ، ويملأه بحبِّه سبحانه جل في علاه، ويكفيكِ شرَّ الشيطان ومَكْرَه.
هذه الحالة التي تمرُّين بها حالةُ فراغٍ عاطفيٍّ، غفر الله لزوجكِ، استجاب لطاحونة الحياة، واقتصرت حياته على العمل والأوامر والنواهي، وتحول إلى آلة، ولأن المرأة تطغى عليها العاطفة عطاءً وأخذًا، فقد مِلْتِ إلى هذا الشخص، أسأل الله أن يصونكِ من كل شرٍّ، ويهوِّن عليكِ هذا الجفاف العاطفيَّ، الذي فرضته عليكِ الحياة وعلى معظم بيوت المسلمين بكل أسَفٍ.
في العموم عليكِ بأمرين مهمين:
أولًا: صارحي زوجكِ بحاجتكِ إلى الحبِّ، وأنه لا بد أن يَفْسَح للمشاعر مكانًا في حياته، وأعِينيه على ذلك بتجديد حياتكم بشكل أو بآخر؛ غيِّري – مثلًا - إضاءة الشقة، جدِّدي أو أضيفي قطعة أثاث جديدة، تلطَّفي معه في الحديث، اعزميه على العشاء بالخارج، اشتري له هدية ... أعلم أن ذلك واجب عليه هو، ولكن تذكَّري أننا بصدد علاجه من حالة الجفاء التي وصلتم إليها، وأن هذا سينعكس عليكِ لاحقًا، وسوف يرد لكِ مثله وأكثر.
قبل وبعد ذلكِ وأثناءه قرِّري أن تحبِّي زوجك، نَعَمْ قرِّري، كُوني صريحةً مع نفسكِ، أنتِ تحتاجين لهذا الحب ولن تستطيعي ممارسته أبدًا إلا معه؛ لأن الحب لدى أي رجل ما هو إلا شهوة، الجسد جزء أساسي وراسخ من الحب في عقل ونفس الرجل، تلك الهمسة المضحكة، واللمسة الرقيقة التي تشتاقين إليها لا تقنع الرجال، ذلك نوع من الحب تشتاقه النساء، ولا سبيل إليه إلا مع الزوج.
فرضًا نحَّينا الدين جانبًا والحلال والحرام – وهذا مستحيل – أنتِ نفسكِ لن تسمح لكِ بأي فعل أو علاقة يقرصكِ ضميركِ بسببها، وإن حدث، فستجدين آلامها أشدَّ من آلامكِ الآن مع زوجكِ، واعلمي أن شعور الحب والشغف وثورة القلب شعور زائل، مهما حدث، فهو زائل؛ لأن المألوف المعتاد يفقِد بريقه، وهذه طبيعة الحياة.
فابتعدي عن مثل هذه المشاعر التي أصابتكِ، والحمد لله أنها من طرف واحد، والأمر بسيط جدًّا، لا يحتاج إلا إلى مجاهدة النفس، والتعلُّق بالقرآن، حتى يعافيَكِ الله من هذه المرحلة.
أسمعكِ الآن تقولين: وإن لم أنجح في إيقاظ مشاعر زوجي، فما الحل؟
املئي قلبكِ بحبِّ أبنائك، نعم، أحبِّيهم وانشغلي بهم، ونظِّمي أوقاتًا وبرامجَ للهو والهزار والفسح معهم، فأنتِ مشكلتكِ فقط فراغ القلب، فإن امتلأ بهم وبكتاب الله، تعافيتِ بحَولِ الله.
والدنيا - يا حبيبتي - قصيرة، واعلمي أنه مهما حصَّلتِ من حبٍّ أو مال وأولاد، فإنها تخلو من السعادة المطلقة، فكلنا يسعى جاهدًا للتخلص من شيء مؤلم يكابده، معتقدين أن تلك هي السعادة، ولكن سبحان الله ما إن يُغلَق باب مجاهدة، إلا ويُفتح آخر، وهذا دأب الدنيا مع البشر جميعًا، وقد ميَّز الله المسلمين بالجنة جزاء لهذه المكابدة.
ثانيًا: اتَّخذي من محارمكِ الرجال خليلًا، فالجنس لغيره أمْيَلُ، انظري في أخوالكِ وأعمامكِ وإخوانكِ، وانتقي منهم عاقلًا ودودًا، لديه وقت، واقضي معه ولو يومًا في الأسبوع، تحاورا فيما تحبين، وشاركيه كل طموحاتكِ وآرائكِ، فالحديث معه غاية أيًّا كانت نتيجته، ألَا تَرَين أن الله شدَّد على صلة الرحم تشديدًا كبيرًا، ووَعَدَ بوصلِ مَن وَصَلَها، وقَطْعِ من قطعها؛ لنجد بينهم من يحمي قلوبنا من الميل لغيرهم.
وفقكِ الله لما يحب ويرضى، تعلَّقي بالله وحده، وصارحي زوجكِ بحاجتكِ، وإن لم تنجحي معه، فاستغني بأولادكِ وأهلكِ، وليجعل الله لكِ مخرجًا بحول الله، أنا أثق من رجاحة عقلكِ، وقوة عزمكِ، وأنكِ لن تخضعي لهذه الحالة العارضة التي تمرين بها، فكل إنسان له حاجة مُلِحَّة، تخيَّلي لو أشبعها بالحرام؟ سيتحول من يشتهي المال لسارق، ومن يشتهي الحب لزانٍ، ومن يشتهي السلطان لقاتل، نسعى لتحقيق رغباتنا سَعْيَ الحريص، ولكن نرضى بالنتائج مهما كانت.