أبي يرفض وصية أمي

منذ 5 أيام 22

أبي يرفض وصية أمي


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/11/2024 ميلادي - 15/5/1446 هجري

الزيارات: 18


السؤال:

الملخص:

فتاة لم تحب من أسرتها إلا والدتها؛ فأبوها ظالم قاسٍ، وإخوتها أخلاقهم سيئة، وقد اعتنت بها والدتها، وربتها بعيدًا عن أبيها، وقبل وفاتها، أوصت أن يكون المنزل وثلث التركة لورثتها الضعفاء، فرفض أبوها الوصية، لكن المحكمة حكمت بقبولها أخيرًا، وهي تريد أن ترتاح بالذهاب إلى مكة والمدينة، وتسأل: هل هي بحاجة لطبيب نفسي بعد فقدها لأمها؟

التفاصيل:

تزوجت أمي من أبي؛ خضوعًا لضغوط المجتمع، وخوفًا من ذهاب عمرها دون ذرية، فقد تزوجته على كِبَرٍ، وقد تربيت في بيتها في دلال ودلع، أما إخوتي فتربوا مع والدي على الشدة والمحاسبة، أختي الكبرى ذات مكانة اجتماعية ممتازة، لكنها تمن عليَّ بعطائها، وعندي أخ مسجون، وإخوتي الأربعة الآخرون أخلاقهم سيئة، أحدهم كان يتحرش بي وأنا صغيرة، وآخر مدمن للكحول، توفيت والدتي، وقبل وفاتها، وصَّت بأن منزلها وثلث تَرِكتها وقفٌ لذريتها الضعفاء، ومن هنا بدأ الصراع؛ حيث رفض والدي الوصية، وكان سببًا في انشقاق إخوتي، ورُفعت القضايا في المحاكم، وحُكم أخيرًا بقبول الوصية، أكره أفعال والدي، وأراه ظالمًا، ينعتني دائمًا باللؤم والخبث، فما رأيكم بسكنٍ بعيد عن منزل والدتي، قريب من مكان دراستي؟ أنا متعبة، أريد لقلبي أن يرتاح، أريد أن أسافر إلى مكة والمدينة، فمن بعد فَقْدِ قرة عيني، ملأ الحزن قلبي، وخارت قواي، فهل أنا بحاجة لطبيب نفسي لعلاج ما مررت به من شدة؟

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين؛ سيدنا محمد، عليه أفضل الصلاة والتسليم؛ أما بعد:

فقد وصلتنا استشارتكِ – يا بنتي - التي تضمَّنت مأساتكِ كما تقولين، التي أهمها فقدانكِ والدتَكِ التي كانت تحِنُّ عليكِ، ووجودكِ بين أبٍ ظالم وإخوة لا يخافون الله كما قلتِ أنتِ.

وسؤالكِ: هل أنتِ بحاجة لعلاج نفسي؟ وهل يمكنكِ السفر من مكة إلى المدينة؟ وهل يمكنكِ السكن بمفردكِ؟

أما بالنسبة لوالدتكِ رحمها الله، فمُقدَّر لها الزواج من أبيكِ، مهما تعددت الأسباب (العمر، المجتمع …)، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

لكن الذي لم أستوعبه هو سكن والدتكِ في بيت منفصل عن البيت الذي يقيم فيه والدك؛ هل هو زواج مسيار؟

وأيضًا عدد إخوتك، هل هم من والدتكِ؟ هل هم من أبيكِ من زوجة ثانية؟

تربيتكِ أنتِ عند والدتكِ، وتربية إخوتكِ عند أبيكِ، وكما فهمتُ أن لديكِ أختًا من أمكِ أكبر منكِ، وأنها ذات مكانة اجتماعية ممتازة، كما أدركت أن أخيكِ مسجون، وإخوتكِ الأربعة الباقين أخلاقهم سيئة.

يعني ومع الفهم الصعب جدًّا لكلماتكِ وتوضيحكِ المبتور، خاصة النزاعات والأخلاق السيئة جدًّا، المهم هو وصية والدتكِ قبل وفاتها من أن المنزل وثلث الورث وقف لذريتها الضعفاء؛ يعني أن هذا كله ملك والدتك، والمهم تثبيت هذه الوصية في المحكمة.

هذا كله يعني أنه يمكنكِ السكن في هذا البيت؛ بيت والدتكِ، الذي تربيت فيه أصلًا، ولأنكِ فتاة يجب أن تعلمي أحكام الشرع بالنسبة للسكن بمفردكِ بعيدًا عن والدكِ، والحكم الشرعي لوليِّكِ.

لا أعلم أين تقع جامعتكِ، ولا كيفية انتقالكِ إليها، ويهمني معرفة كم يبعد مكان دراستكِ عن المنزل.

مع ذلك، أقول لكِ: المرأة المسلمة عمومًا لا يجوز لها السفر إلا مع ذي مَحْرَمٍ؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يَخْلُوَنَّ رجل بامرأة إلا ومعها مَحْرَمٌ، ولا تسافر إلا مع ذي محرم))؛ [متفق عليه].

إن كانت الجامعة على فرض أن بها سكنًا جامعيًّا وفقط للبنات، مع العلم أن الخوف هذه الأيام من الانفتاح على جميع وسائل التواصل الاجتماعي، الذي لا يمكن أن تأمني على نفسكِ فيه، حتى من النساء فلا أنصح بذلك، فلا أعلم أن أحدًا من العلماء قد أجاز ذلك.

على العموم إن كان الهدف فقط ألَّا تلتقي بوالدكِ، فإنكِ تستطيعين تجنُّبَه قدر المستطاع، وحاولي ألَّا تلتقي به، لكن وإن تم اللقاء، فلا تستمعي لِما يقوله، ولا تهتمي لألفاظه التي يتلفظ بها لإزعاجكِ، وفكِّري فقط أنه هو الآثِمُ، وسيُحاسب يوم القيامة عن كل أفعاله، وما عليكِ إلا الدعاء له ولكِ في قيام الليل، وأن يصرف الله عنكِ أذاه، ففي النهاية هو وإخوتكِ محارم لكِ، لا يمكنكِ الاستغناء عنهم، والأهم أنه وليُّكِ إلى أن يتوفاه الله.

لسنا هنا بصدد شرح معنى الولاية خاصة أنكِ بالغة عاقلة.

أما عن سؤال إن كنتِ بحاجة لعلاج نفسي، فما سطَّرته يداكِ يدل على أنكِ لست بحاجة لعلاج نفسي، فقط الزيادة في الطاعات لله عز وجل؛ من أذكار الصباح والمساء، والإكثار من تلاوة القرآن، ففيه الراحة والسكينة والطمأنينة، وهو أفضل علاج، كما التقرب إلى الله بالصدقات، وها هو شهر رمضان مُقْبِلٌ مع لياليه وقيامه، وخاصة ليلة القدر، فاستفيدي من إحياء هذه الليالي، مع الدعاء المستمر، والاستغفار، إلى أن يدبِّرَ الله لكِ الأمر: يا رب، دبِّر لي أمري؛ فإني لا أُحْسِنُ التدبير، كما عليكِ التبرؤ من حولكِ وقوتكِ، واللجوء إلى حول الله وقوته، فأكْثِرِي من قول: لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ ﴿ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ﴾ [الأنفال: 44].

أما بالنسبة لوالدتكِ، فالدعاء لها بالمغفرة، والأهم أن تشعر أنها تركت ولدًا صالحًا يدعو لها (أنتِ ابنتها)، بعد انقطاع عملها، وخاصة أنها تركت وقفًا لكي يستفيد منه الضعفاء من ذريتها، فهذا بمشيئة الله في ميزان حسناتها.

فيا بنتي، احمَدي الله عز وجل واشكريه على نِعَمِهِ التي أنعمها عليكِ، فيكفيكِ أنكِ تعيشين بمكة المكرمة، وما تركته لكِ والدتكِ وقف، فلستِ بحاجة للسكن عند والدكِ، والأهم بفضل الله تعالى ومَنِّه وكرمه أنكِ تميزين الحلال من الحرام، وتبتعدين عما حرَّم الله، وتسألين إن كنت بحاجة لطبيب معالج!

ابنتي، فقط اللجوء إلى الله وخاصة في الثلث الأخير من الليل، واسأليه عز وجل أن يفرج همكِ، ويصرف عنكِ السوء والفحشاء والمنكر.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.