كتب عليكم الصيام

منذ 1 سنة 181

ونحن على مشارف شهر رمضان الفضيل، يطيب لي أن أجعل المدخل لهذا المقال: الآية الكريمة التي وردت في القرآن الكريم، وجاء فيها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، صدق الله العظيم.
ولطالما كان الصوم هو الفضيلة التي اتفقت عليها معظم الديانات، باعتباره دعوة للتجدد الروحي والبدني حتى في المجتمعات المبكرة من التاريخ الإنساني، كان الصوم هو الفضيلة التي يقصدها البشر قبل الذهاب إلى الحروب فيتباركون بها، كما يصوم البشر في بعض الأحيان اتقاء للكوارث والمجاعات، كما فعل السكان الأصليون لأميركا، ويعد الصيام لدى بعض الشعوب جزءاً من طقوس سن الرشد، فالصيام في كل طريقة له مكانة مرادفة للسمو وضبط النفس والإقبال على أعمال البر والتقوى، التي هي طريق إلى الصفاء النفسي والجسدي، وبالتالي فهو أقرب الطرق للشعور بالقرب من الله، إلى درجة أن بعضهم يعتبرون الصيام حتى الوصول إلى الموت، وهو الإجراء الذي يفعله أتباع الطريقة (اليانيه)، بل إن بعضهم بلغ بهم المرض إلى حد يستعصي معه العلاج، وهذا النوع من الصيام لا يعد انتحاراً في نظرهم، لأنه لا يحدث تحت تأثير الغضب والحزن، وإنما بداعي الزهد يقرر الإنسان التخلي عن كل ما هو مادي بغرض تطهير الجسد من جميع الرغبات لإزالة الخطايا، ويقدر الخبراء بأنه وتحديداً في الهند، فإن هناك أكثر من 200 إنسان يموتون سنوياً بهذه الطريقة الكارثية التي تسمى (السانثارا) التي يطالب البعض بتجريمها ومنعها، ويعتبرها أتباع هذا الاعتقاد فضيلة كما يقول أحد الكهنة.
وبعضهم يتبعون منازل القمر الأربع، ويقتضي الصوم عندهم في تلك الأيام الإمساك عن أي نوع من أنواع الأعمال كذلك، والتفرغ إلى التأمل وتفريغ الطاقات السلبية بالابتعاد عن أي عمل من أعمال الدنيا، بما في ذلك التفوه بالبذاءة والغناء والرقص ووضع مستحضرات التجميل، ولذلك فإن أتباع الديانة (البوذية) يصومون الأيام الأربعة، لما في الصوم من حرمة القيام بأي نوع من الأعمال، ويتشابه هذا النوع من الصيام مع ما قررته الشريعة (اليهودية) من تحريم مزاولة الكثير من الأعمال في يوم السبت، ويُقال إن اليهود كانوا يمتنعون في هذا اليوم عن الطعام والشراب أيضاً حتى قصر الأمر فيما بعد على الامتناع عن مزاولة الأعمال فقط في يوم السبت.
وليس هناك أكرم من قول رسولنا الكريم: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه».