عقدة لساني

منذ 1 سنة 314

عقدة لساني


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/2/2023 ميلادي - 13/7/1444 هجري

الزيارات: 15



السؤال:

الملخص:

شاب عنده ملكة القراءة، وذو ثقافة واسعة، لكنه يتلعثم في الكلام، ويسقط حروفًا كثيرة، ولا يستطيع أن يتكلم في أمر إلا إذا كان قد أعدَّ الكلام سابقًا، ويسأل: ما الرأي؟

التفاصيل:

أنا فتًى أبلغ من العمر السابعة عشرة، قارئ نهِم، ثقافتي واسعة، لكن للأسف لديَّ مشكلة تؤرقني؛ وهي أنني لا أستطيع أن أتكلم مع الناس بطريقة طبيعية، أتلعثم وتسقط مني الحروف وبعض الكلمات، ولا يخرج من لساني جملة واحدة مفيدة، عقلي مليء بالأفكار، ولا أستطيع أن أكوِّن جملة أطرح فيه فكرتي أو أصف شعوري، وكأن عقلي ولساني غير متصلين.

بحثت عن أسباب هذه المشكلة، فبعضهم قال: هو نقص في الثقة بالنفس، وبالفعل يوجد لدي أحيانًا نقص في الثقة، ولكن ليست السبب فيما أعانيه، بل هي نتيجة لذلك، وآخرون نصحوني بالتدرب مع نفسي على الكلام، وأخبرني آخرون أنني أخاف من الناس وردة فعلهم، لكن حتى مع أهلي وأقرب الناس أعاني نفس الشيء، وحين أكون في نقاش وأكون ملمًّا بالموضوع، وعندي معرفة جيدة فيه، لا أستطيع أن أتكلم أكثر من جمل قصيرة، أكون قد حفظتها وحضرتها في عقلي، قبل أن ألقيَها، وأرى أناسًا آخرين لا يملكون ربع معرفتي عن الموضوع يتكلمون بطلاقة وبإسهاب وبشكل جيد، إن مشكلتي ببساطة هي أني لا أرتجل، فالكلام كله محفوظ أو مخطط له مسبقًا، ولا أعرف أن أتكلم إلا بهذه الطريقة، لا أعرف ماذا أفعل، أظن إذا بقيت على هذا الحال، فسأعتزل الناس والمجتمع، وأعيش وحيدًا، أصبح الأمر كابوسًا يؤرقني، أرجو أن تسدوا إليَّ نصائحَ؛ علَّها تكون لي علاجًا لمشكلتي تلك، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فيبدو من مشكلتك أن لها أسبابًا؛ منها:

الأول: نوع من الرهاب الاجتماعي؛ بسبب ضعف الشخصية، وربما احتقارك في صغرك من أقرب الناس لك، وسخريتهم منك، فتربيت على الضعف والخوف.

ويبقى السؤال المهم: ما العلاج؟ فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: أول علاج وأعظمه وأقواه على الإطلاق هو الدعاء بإلحاح وصدق ويقين؛ قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

ثانيًا: الإكثار من الاستغفار، والاسترجاع، والصدقة.

ثالثًا: مجاهدتك نفسك على الكلام، وعدم الاكتراث للأخطاء واللامبالاة بنظرات الناس، ولا بسخريتهم، وبهذه الطريقة ستتحسن إن شاء الله بشكل تدريجي، فلا تستعجل.

رابعًا: لا تستسلم أبدًا لليأس والقنوط من صلاح حالك؛ لأن اليأس يقتل الطموح، ويُغرق صاحبه في بحر الأحزان.

خامسًا: إليك أربعة مواقف فيها فائدة لك:

الأول: لأحد العلماء، وأظنه الشوكاني رحمه الله، كان لا يخطب خطبة الجمعة إلا من خطبة مكتوبة؛ يعني: لا يُجيد الارتجال، ويهاب منه، وفي إحدى الجمع صعد المنبر، فاكتشف أنه نسي الخطبة عند تغيير ملابسه، فاسترجع، واستعان بالله سبحانه، ثم ألقى خطبة لم يُلقِ مثلها في جودتها سابقًا.

الثاني: ذكروا أن أحد الخطباء كان يهاب الارتجال، فخرج إلى الصحراء وجعل أمامه حصيات كبيرات، وصعد على حصاة أكبر، وتخيل نفسه على المنبر يخطب، وهذه الحصيات أناسًا ينظرون إليه، ثم ألقى خطبة عصماء، ثم دخل البلد، وكسر حاجز الخوف، وبدأ يرتجل الكلام.

الثالث: أعرف داعية كان في بداياته في الدعوة يرتجف ويخاف من الارتجال، ثم كسر حاجز الخوف بعدة محاولات، تخللها تلعثم، ونقد جارح من بعض الناس، فلم يلتفت له.

الرابع: أذكر أني عندما كنت في المرحلة الإعدادية (المتوسطة) كنت أهاب الكلام في درس العربية، ويومًا فاجأني الأستاذ بطلب إلقائي كلمة توجيهية للشباب، فتقدمت وأنا أرتجف من الخوف، وكدت أسقط على الأرض، ثم بدأت الكلام متلعثمًا، ولما انتهيت، أثنى عليَّ المعلم، وبالغ في الثناء، فكانت نقطة تحول لي لكسر حاجز الخوف.

سادسًا: من أعظم ما يقوي القلب على الشجاعة، ويقوي اللسان على النطق الصحيح - المداومة على قراءة القرآن، خاصة مع التدبر والخشوع، فله أثر قوي وعجيب جدًّا.

فالإكثار من التلاوة مغنم عظيم، دينًا ودنيا؛ دينًا بالأجر العظيم الوارد في الأحاديث الآتية: عن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِي رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((اقْرَؤوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ...))؛ [رواه مسلم (804)].

هذا الحديث دليل على فضل تلاوة القرآن، وعظيم ثوابه، وأنه شفيع لأصحابه يوم القيامة في دخول الجنة.

وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ، تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ، وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالٍ، مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قَالَ: كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ - أَوْ ظُلَّتَانِ – سَوْدَاوَانِ، بَيْنَهُمَا شَرْقٌ، أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا))؛ [رواه مسلم].

وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ))؛ [رواه أحمد].

ومغنم عظيم دنيا بالحفظ من الشرور، وتصحيح نطق اللسان، وغير ذلك.

سابعًا: قد تحتاج لعرض نفسك على طبيب نفسي، يشخص حالتك، ويُساعدك على تجاوز عقباتك.

حفظك الله، وجمع لك بين الأجر والعافية.

وصل اللهم على نبينا محمد ومن ولاه