المحافظون وبوريس جونسون؟

منذ 10 أشهر 131

يقال إن حلم كل سياسي أن يترك وراءه إرثاً-Legacy. لكنهم، في المجمل، ينتهون وقد غادروا المسرح، مثقلين بحمل خيباتهم على أكتافهم، لفشلهم في تحقيق ذلك الحلم المنشود. وهذا يذكرنا برئيس الحكومة البريطاني الأسبق بوريس جونسون، كونه أكثر من ينطبق عليه ذلك، وكونه، حالياً، يتصدر عناوين الأخبار، بسبب مزاعم جديدة، تشير إلى احتمال خرقه للقيود الصحّية التي فرضت خلال أزمة انتشار الوباء الفيروسي. واحتمال أن تتكفل، تلك المزاعم، بخروجه نهائياً من المسرح السياسي، إن أُدينَ بها. 16 حالة موثقة رسمياً، تتعلق باستقباله لأصدقاء وأقارب في بيته الريفي، وفي مقر إقامته بـ10 داوننغ ستريت، في وقت كان محظوراً فيه حتى على أفراد العائلة الواحدة الاختلاط في البيت.

التقرير المنشور في صحيفة «ذا صنداي تايمز»، يوم الأحد الماضي، يقول إن السيد جونسون كان في زيارة لأميركا، وفي مأدبة عشاء مع الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترمب، حين أبلغه محاموه، يوم الخميس الماضي، بأن الجهات المختصة في الحكومة سلمت تقارير تتعلق بتلك الخروقات المزعومة إلى لجنة الامتيازات البرلمانية التي تحقق في قضية «الكذب على البرلمان» المتهم بها السيد جونسون، كما سلمت كذلك نسخاً من تلك التقارير إلى الشرطة البريطانية للتحقيق فيما إذا كان السيد جونسون قد خالف لوائح عدم الاختلاط المفروضة.

الخروقات المذكورة آنفاً، عثر عليها فريق المحامين المكلف الدفاعَ عنه في قضية الكذب على البرلمان، في روزنامة أجندته اليومية الرسمية، حين كان رئيسا للحكومة. علما بأن السيد جونسون سبق وأن تعرض لمخالفة من الشرطة، أثناء توليه رئاسة الحكومة، وكان أول رئيس حكومة يخالف قانونياً من قبل الشرطة خلال توليه منصبه، على خرقه لوائح الإغلاق العام في فترة الوباء الفيروسي. وقام بدفع رسوم المخالفة.

أنصار السيد جونسون في حزب المحافظين، عدوا الأمر مؤامرة من قبل خصوم السيد جونسون. وقالوا إن إثارة القضية في وقت قريب من إصدار لجنة الامتيازات البرلمانية حكمها في قضية الكذب على البرلمان تؤكد ذلك.

فعلياً وواقعياً، ليس من السهل التخلص من سياسي بوزن بوريس جونسون وإغلاق الباب وراءه نهائياً. فحين يذكر المؤرخون والمعلقون «بريكست» يبرز على الفور اسمه. بوريس جونسون بطل بريكست. وحين تذكر الانتخابات، لا يمكن تجاهل حقيقة أنه من أعاد حزب المحافظين إلى البرلمان بأغلبية برلمانية لم يحظَ بها المحافظون منذ أيام السيدة مارغريت ثاتشر. وبقيادته تمكنوا من اختراق دوائر انتخابية في شمال إنجلترا، معروفة تاريخياً بولائها لحزب العمال، لأول مرّة. وخروجه من الحكم شبه مطرود، بعد أن تخلى عنه وزراء حكومته، في واقعة مشهودة، في الصيف الماضي، لم يكن سبباً كافياً له لكي يترك الساحة السياسية، ويتخلى عن طموحاته. لكن المزاعم، أو بالأحرى التُّهم، التي طفت مؤخراً، من المحتمل أن تتكفل بإغراقه، في حالة ثبوتها قانونياً ضده.

التقارير الإعلامية التي نشرت مؤخراً، تتحدث عن تذمر العديد من نواب حزب المحافظين، وضيقهم ذرعاً من سلوكيات السيد جونسون، وتأثيراتها السلبية على سمعة الحزب شعبياً بين الناخبين، وعلى حظوظه الانتخابية في الانتخابات النيابية المقبلة، وأيضاً انعكاس تداعياتها على جهود رئيس الحكومة في التعامل مع قضايا وإشكالات في مقدمتها ضائقة اقتصادية مصحوبة بحركة إضرابية شملت قطاعات خدمية عديدة، لم تحدث منذ السبعينات من القرن الماضي. مضافا إلى ذلك، ارتفاع نسبة التضخم، وأسعار المحروقات والسلع الضرورية، وتفاقم الهجرة عبر بحر المانش. ولذلك فإنهم، استناداً إلى نفس التقارير، يفكرون جدياً في التخلّص منه نهائياً. وإذا صحَّ ذلك، فهذا يعني في ذات الوقت، أن الحزب سيضحي بواحد من أكثر زعمائه شعبية، وورقة رابحة انتخابياً. أضف إلى ذلك أن السيد جونسون لن يخرج لوحده، بل سيكون مرفوقاً بعدد من أعوانه وأنصاره في الحزب، من باب المؤازرة أو مطرودين مثله. وهو أمر لا يسهل استيعابه سياسياً، لأن أصداءه ستكون واسعة إعلامياً، وبالتأكيد ليست إيجابية، وفي وقت بدأت فيه الاستعدادات للانتخابات النيابية القادمة. ولكن في خضم صراع سياسي، في حزب منقسم، وفي شبه حالة حرب على نفسه، لا أحد يدري الوجهة التي ستتخذها الأحداث، ولمن ستكون الغلبة؟ وبالتأكيد، سوف ينشغل المؤرخون كثيراً، بالجدال وبالخلاف فيما بينهم، حول مواقفهم من إرث السيد جونسون.